عقائد

الجبر والتفويض

الجبر والتفويض

 

هل الإنسان مسير أم مخير؟
  اختلف علماء المسلمين في ذلك فمنهم من قال بالتسيير ونفي الاختيار فالإنسان مجبور مقهور ولا سلطنة له أبدا فالقدرة والإرادة للحق تعالى و فعل الإنسان منسوب إلى الحق تعالى فالله أجبر عباده على ما يفعلون، خيرا كان أو شرا حسنا كان أو قبيحا دون أن يكون للعبد إرادة واختيار وهو ظاهر جملة من آي الذكر الحكيم كقوله تعالى(وَاللهَ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُوْنَ) قوله تعالى(وما تشاؤون الا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما) وقوله تعالى(والله خالق كل شيء)وقوله تعالى(وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) وقوله تعالى(ختم الله على قلوبهم) وغير ذلك من آيات.
و لا يخفى أن القول بالجبر ناهيك عن كونه مخالف للوجدان الشاعر باختيار ثابت في الجملة يترتب عليه جملة من اللوازم الفاسدة نذكر منها مايلي :
أولا: نسبة النقائص والقبائح الى الله تعالى فكل القبائح الواقعة في عالم الإمكان منه سبحانه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ثانيا: بطلان التكليف و الثواب والعقاب فلا معنى للأمر بالصلاة مثلا وتاركها تركها مقهورا لا مختارا ولا معنى لعقابه على الترك مع تلك المقهورية.
ثالثا: التسوية بين المتضادات فالمؤمن كالكافر والمفسد كالمصلح فكلهم فاعل لما أراد الباري تعالى.
رابعا: جواز التكليف بما لا يطاق فالله تعالى كلف الزاني بعدم الزنا وقهره على فعله ثم عاقبه عليه.
خامسا: تجاهل الكثير من آي الذكر الحكيم الناطقة بالاختيار.
والعجيب أن علماء كبارا من أصحاب الفكر المتوقد كالفخر الرازي وغيره قالوا بالجبر مع وضوح كل هذه اللوازم الفاسدة.
ومن علماء المسلمين من قال بالتخيير الصرف وهو قول المعتزلة فالإنسان مختار مفوض إليه الفعل أي إنه ليس لله أي صنع في فعل العبد، وإن ذات الإنسان وإن كانت مخلوقة لله ولكن لا يمت فعله إليه بصلة فالإنسان مستقل في فعله وفي إيجاده وتأثيره حفظا للعدل الإلهي وهو ظاهر جملة من آي الذكر الحكيم كقوله تعالى(فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) وقوله تعالى(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) وقوله تعالى(إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) و المستفاد من هذه الآيات القرآنية وغيرها إسناد أفعال العباد إليهم لا إلى الحق تعالى.
 ثم إنه لولا استقلال العبد بالفعل على سبيل الاختيار للزم ما يلي :
أولا: بطلان التكليف فالعبد ما لم يكن موجداً لفعله على نحو الاستقلال لا يصحح العقل أمره ونهيه من الشارع.
ثانيا: ارتفاع المدح والذم والثواب والعقاب بالنسبة لأفعال المكلفين فليس فعله مستندا إليه مطلقا حتّى يثاب عليه أو يعاقب أو يمدح عليه أو يذم.
والحق عدم إمكان القول بالتفويض فأدلته مردودة ولوازمه باطلة
 وبداية نذكر رد الأدلة
أما الظواهر القرآنية فهي معارضة بما ينافيها مدلولا كقوله تعالى(يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وقوله تعالى(وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ) وقوله تعالى(كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ) وقوله تعالى( وَما كانَ لِنَفْس أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ) وقوله تعالى(وَما كانَ لِنَفْس أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ) وقوله تعالى(وَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً) وقوله تعالى( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ) وغير ذلك من آيات تشير إلى تصرف الذات الإلهية في شؤون عبادها وتعارض التفويض
وأما ما ذكر من لوازم تحتم القول بالتفويض فيمكن ردها بأن يقال:
لا يشترط في صحة التكليف والمدح والذم والثواب والعقاب أن يكون الإنسان مستقلاً في فعله بل الملاك في صحة جميع هذه الأمور هو صدور الفعل من الإنسان بقدرته المفاضة من الحق تعالى  واختياره المستفاد من تلك القوة فحسب.
وأما لوازم التفويض الفاسدة فمنها مايلي:
أولا: الشرك في الخالقية، لأنّها توجب الاعتقاد بوجود خالقين مستقلين أحدهما اللّه تعالى والثاني الإنسان الذي يكون خالقاً مستقلاً لأفعاله من دون احتياجه إلى اللّه تعالى وقد قال الإمام علي(عليه السلام): وإن زعمت أنّك مع اللّه تستطيع، فقد زعمت أنّك شريك معه في ملكه.
ثانيا: منافاة أصل احتياج الإنسان إلى اللّه عز وجل و الشعور بالغنى عن ذات الخالق.
ثالثا: تحديد القدرة الإلهية وسلب سلطانه تعالى عن أفعال عباده فلا توفيق للعباد ولا خذلان منه تعالى إذ لا مدخل لصنعه في أفعالهم بعد التفويض إليهم.
لذا وغيره لا يمكن الالتزام بالجبر ولا التفويض ومنه ذهب الإمامية بإرشاد العترة الطاهرة إلى قول ثالث هو المنزلة بين المنزلتين إذ روي عن إمامنا الصادق (عليه السلام): (لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين) والكلام كل الكلام في تصوير تلك المنزلة وهذا ما سنحاول توضيحه في مشاركات قابلة.
أسد الله بن حسين الرجا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى