فقه
حكم النكاح الأولي
مشاركة فقهية في بيان حكم النكاح الأولي نزولا على رغبة أحد المؤمنين .
النكاح مستحب مؤكد لمن تاقت نفسه إليه على خلاف في خلافه فهل هو مستحب أم لا؟ المشهور كونه مستحب كذلك وخالف مبسوط الشيخ (رحمه الله) ج 4/ص 160 فذهب إلى استحباب عدمه مع عدم التوق إليه وهو مردود في محله.
واستحباب النكاح هذا إنما هو بعنوانه الأولي مع قطع النظر عن العوارض اللاحقة وإلا فهو منقسم إلى الأحكام التكليفية الخمسة كما لا يخفى.
ولا يقال: بوجوبه لا بلحاظها لظهور صيغة الأمر في وجوبه في مثل قوله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) والظاهر حجة كما حقق في محله.
لأنه يقال: إنه وإن كانت صيغة الأمر المزبورة ظاهرة في الوجوب إلا أن العمل بظاهر الكتاب عندنا مشروط بعدم الصارف عنه فلا يأخذ به دون تأمل وفحص في الأدلة التي قد تصرف عنه سواء أ كانت أدلة نقلية كالكتاب والسنة والإجماع أو عقلية قطعية وهذا من ضروريات مذهبنا كما هو صريح رسائل الشيخ (رحمه الله) ج 1/ ص 93/.
والصارف عن ظاهر الآية بالوجوب موجود فظاهرها متروك محمول على الندب لإجماع الفرقة القطعي ـ كما في خلاف الشيخ (رحمه الله) ج 4/ ص 246 وسرائر ابن إدريس(رحمه الله) ج 2/ ص 528 ـ على عدم الوجوب وهو صارف عن ظاهر الآية الظني لعدم صمود الظني في قبال القطعي بل إجماع المسلمين قائم على استحبابه ـ كما في مسالك الشهيد (رحمه الله) ج 7/ص 9 ـ إلا من شذ من أهل الخلاف دون عناية بشذوذه لضعف بيانه وقصر عنانه.
فإن قلت : ولكن محصله غير حاصل و منقوله غير قابل لاحتمال كونه مدركيا.
قلت: ـ إن لم ندعِ عدم الوجوب ضرورة من المذهب بل الدين كما عليه جواهر الجواهري (رحمه الله) ج 29/ص 14 ـ فإن تحقق إجماع علمائنا العملي أي سيرتهم على عدم الوجوب التي قد تكون مدرك المنقول من الإجماع على عدم الوجوب كافية في الصارفية عن الظاهر فتأمل.
ثم إن قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) علق فيه النكاح على الإستطابة وما كان هذه صورته فهو غير واجب فالواجب لا يناط بما طاب للمؤمور أو لا و كذا لو كان ظاهر الآية في الوجوب مراد للمولى لما خير المولى عبده في قوله (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) لكون ملك اليمين مباحا فلو كان النكاح واجبا لما جاز التخيير بين النكاح وملك اليمين لأن التخيير لا يكون بين واجب ومباح وإنما يكون بين متساويين في الرتبة التكليفية كالواجبين أو المستحبين أو المباحين ثم إن التخيير المزبور يقتضي جواز الإقتصار على أحدهما فلو اقتصر على ملك اليمين دون النكاح كان جائزا كما أشار إليه بعض الأعلام.
وقد روى ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فسألته عن حق الزوج على المرأة، فخبرها، ثم قالت فما حقها عليه؟ قال يكسوها من العرى ويطعمها من الجوع وإن أذنبت غفر لها، فقالت: فليس لها عليه شئ غير هذا؟ قال: لا قالت: لا والله لا تزوجت أبدا، ثم ولت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ارجعي فرجعت، فقال: إن الله عز وجل يقول: (وأن يستعففن خير لهن) الكافي/ج 5 / ص 511.
فلو كان النكاح واجبا لأنكر عليها ذلك حين حلفت أن لا تتزوج أبدا.
فهذا وغيره يصرف عن ظاهر الآية في الوجوب وأقل مراتب الأمر الحمل على الاستحباب والله العالم وبه تنال المكارم.