حواشي الهداية-الحاشية: 34
قال رحمه الله: وهو الذي كان يقول: كنا على عهد رسول الله نقاتل بالنصر لا بالكثرة. انتهى. ص 13 – س 14.
بيان: نقاتل بالنصر أي بنصر الله وهو منه لا من غيره قال تعالى: (ما النصر إلا من عند الله)(1) وقال تعالى: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)(2) وقال تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنو في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)(3) وقال تعالى: (لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)(4) وقال تعالى: (ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة)(5) وغير ذلك من آي الذكر الحكيم.
والحديث المذكور شطر مما روى المفيد في الإرشاد في ما جاء عنه عليه السلام في معنى القضاء وصواب الرأي، وإرشاد القوم إلى مصالحهم وتدارك ما كاد يفسد بهم لولا تنبيهه على وجه الرأي قال رحمه الله: فيه ما حدث به شبابة بن سوار، عن أبي بكر الهذلي قال: سمعت رجالا من علمائنا يقولون: تكاتبت الأعاجم من أهل همذان وأهل الري وأهل أصفهان وقومس ونهاوند، وأرسل بعضهم إلى بعض: أن ملك العرب الذي جاء بدينهم وأخرج كتابهم قد هلك – يعنون النبي صلى الله عليه وآله – وأنه ملكهم من بعده رجل ملكا يسيرا ثم هلك – يعنون أبا بكر – وقام بعدة آخر قد طال عمره حتى تناولكم في بلادكم وأغزاكم جنوده – يعنون عمر بن الخطاب – وأنه غير منته عنكم حتى تخرجوا من في بلادكم من جنوده، وتخرجوا إليه فتغزوه في بلاده، فتعاقدوا على هذا وتعاهدوا عليه. فلما انتهى الخبر إلى من بالكوفة من المسلمين أنهوه إلى عمر بن الخطاب، فلما انتهى إليه الخبر فزع عمر لذلك فزعا شديدا، ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: معاشر المهاجرين والأنصار، إن الشيطان قد جمع لكم جموعا، وأقبل بها ليطفئ نور الله، ألا إن أهل همذان وأهل أصفهان والري وقومس ونهاوند مختلفة ألسنتها وألوانها وأديانها – قد تعاهدوا وتعاقدوا أن يخرجوا من بلادهم إخوانكم من المسلمين، ويخرجوا إليكم فيغزوكم في بلادكم، فأشيروا علي وأوجزوا ولا تطنبوا في القول، فإن هذا يوم له ما بعده من الأيام. فتكلموا، فقام طلحة بن عبيد الله – وكان من خطباء قريش – فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين، قد حنكتك الأمور، وجرستك الدهور، وعجمتك البلايا، وأحكمتك التجارب، وأنت مبارك الأمر، ميمون النقيبة، قد وليت فخبرت واختبرت وخبرت، فلم تنكشف من عواقب قضاء الله إلا عن خيار، فاحضر هذا الأمر برأيك ولا تغب عنه. ثم جلس.
فقال عمر: تكلموا، فقام عثمان بن عفان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد – يا أمير المؤمنين – فإني أرى أن تشخص أهل الشام من شامهم، وأهل اليمن من يمنهم، وتسير أنت في أهل هذين الحرمين وأهل المصرين الكوفة والبصرة، فتلقى جمع المشركين بجمع المؤمنين، فإنك – يا أمير المؤمنين – لا تستبقي من نفسك بعد العرب باقية، ولا تمتع من الدنيا بعزيز، ولا تلوذ منها بحريز، فاحفره برأيك ولا تغب عنه. ثم جلس. فقال عمر: تكلموا، فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (الحمد لله – حتى تم التحميد والثناء على الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله – ثم قال: أما بعد، فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم، سارت الروم إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم، سارت الحبشة إلى ذراريهم، وإن أشخصت من بهذين الحرمين، انتقضت العرب عليك من أطرافها وأكنافها، حتى يكون ما تدع وراء ظهرك من عيالات العرب أهم إليك مما بين يديك. وأما ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم، فإنا لم نكن نقاتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالنصر، وأما ما بلغك من اجتماعهم على المسير إلى المسلمين، فإن الله لمسيرهم أكره منك لذلك، وهو أولى بتغيير ما يكره، وإن الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا: هذا رجل العرب، فإن قطعتموه فقد قطعتم العرب، فكان أشد لكلبهم، وكنت قد ألبتهم على نفسك، وأمدهم من لم يكن يمدهم. ولكني أرى أن تقر هؤلاء في أمصارهم، وتكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق: فلتقم فرقة منهم على ذراريهم حرسا لهم، ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا ينتقضوا، ولتسر فرقة منهم إلى إخوانهم مددا لهم)، فقال عمر: أجل هذا الرأي، وقد كنت أحب أن أتابع عليه. وجعل يكرر قول أمير المؤمنين عليه السلام وينسقه إعجابا به واختيارا له. انتهى.(6)
قال في معجم البلدان: قومس: بالضم ثم السكون، وكسر الميم، وسين مهملة، وقومس في الاقليم الرابع، طولها سبع وسبعون درجة وربع، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وهو تعريب كومس: وهي كورة كبيرة واسعة تشتمل على مدن وقرى ومزارع وهي في ذيل جبال طبرستان وأكبر ما يكون في ولاية ملكها، وقصبتها المشهورة دامغان، وهي بين الري ونيسابور، ومن مدنها المشهورة بسطام وبيار، وبعض يدخل فيها سمنان. انتهى.(7)وجرسته الأمور أي جربته وأحكمته.(8) وعجم فلانا وعجم عوده : امتحنه واختبره وعجمت الأمور فلانا: دربته.(9)
أسد الله بن حسين الرجا
———————
1- الأنفال: 10.
2- الروم: 47.
3- غافر: 51.
4- آل عمران : 123.
5- آل عمران : 150.
6- الإرشاد – الشيخ المفيد – ج 1 – ص 207.
7- معجم البلدان – الحموي – ج 4 – ص 414.
8- الصحاح – الجوهري – ج 3 – ص 913.
9- راجع معجم المعاني