تاريخحواشي كتاب الهداية والتربية الإيمانية

حواشي الهداية-الحاشية: 18

قال رحمه الله : وقد أشار علي عليه السلام في كلماته إلى عميق تلك التربية وأبعادها بقوله: وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله، بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره، وانا وليد يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. إلى أن يقول عليه السلام: ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وانا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة). انتهى . ص 8 – 9.

بيان: العميق المتأصل وعمّقت الفكرة أي بلغت أقصى كنهها وكنه الشيء حقيقته وأبعاد الشيء جوانبه وفي الكلام غاياته ومراميه.
والمروي المذكور هو جزء من خطبة وردت في نهج البلاغة هي الأطول فيه قال في شرح النهج : من الناس من يسمي هذه الخطبة بالقاصعة هي تتضمن ذم إبليس لعنه الله واستكباره وتركه السجود لآدم عليه السلام وأنه أول من أظهر العصبية وتبع الحمية وتحذر الناس من سلوك طريقته. انتهى.(1) وفي وجه تسميتها قال : ويجوز أن تسمى هذه الخطبة (القاصعة) من قولهم قَصَعت الناقة بجِرّتها وهو أن تردّها إلى جوفها أو تخرجها من جوفها فتملأ فاها فلما كانت الزواجر والمواعظ في هذه الخطبة مرددة من أولها إلى آخرها شبهها بالناقة التي تقصع الجرة. ويجوز أن تسمى القاصعة لأنها كالقاتلة لإبليس وأتباعه من أهل العصبية من قولهم قَصَعت القملة إذا هشمتها وقتلتها. ويجوز أن تسمى القاصعة لأن المستمع لها المعتبر بها يذهب كبْره ونخوته فيكون من قولهم قصع الماءُ عطشه أي أذهبه وسكنه… إلى أن قال: ويجوز أن تسمى القاصعة لأنها تتضمن تحقير إبليس وأتباعه وتصغيرهم من قولهم قصعت الرجل إذا امتهنته وحقرته. انتهى.(2)

وفي المختار: في الحديث: «أَنَّهُ خَطَبَهُمْ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَإِنَّهَا لَتَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا». انتهى.(3)

وقد رأيت من يحتمل أنّه عليه السّلام كان يخطبها على ناقته، وهي تقصع بجرّتها، فلما نقلت عنه هذه الحال في اسناد الخطبة نسبت الخطبة إلى الناقة القاصعة، فقيل: الخطبة القاصعة ومع كثرة استعمالها جعلت من صفات الخطبة نفسها.

والقرابة القريبة بمنزلة أقربها. والمنزلة الخصيصة الرفيعة الخاصة.
والحجر حضن الإنسان وكنفه وحمايته.
وعَرفه رائحته الطيبة والعَرْفُ الرائحةُ مطلقًا وأَكثر ما يستعمل في الطيبة منها.
والخطلة واحد الخَطَل كالفرحة واحد الفرح والخطل الخطأ ينشأ من عدم الرؤية والخطلة في الفعل الخطأ فيه وإيقاعه على غير وجهه.
والفصيل ولد الناقة. وكان يجاور في كل سنة أي يعتكف للعبادة يقال جاور في المسجد أي اعتكف فيه وقد ورد أن النبي صلى اله عليه وآله كان يجاور في العشر الأواخر أي يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان.
وحراء بكسر الحاء اسم جبل بمكة معروف كان صلى الله عليه وآله يتعبد فيه قبل البعثة.
وقوله أرى نور الوحي إخبار كاشف عن عظيم القدر ورفيع المنزلة وفي المروي عن الصادق عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الرسالة الضوء، ويسمع الصوت. وفي شرح النهج قال له صلى الله عليه وآله: لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة، فإن لا تكن نبيا فإنك وصي نبي ووارثه، بل أنت سيد الأوصياء وإمام الأتقياء.(4)

ويستفاد من قوله: وأشم ريح للنبوة ثبوت عطرة لها وهو قضية ريح يوسف قال تعالى: (إني لأجد ريح يوسف).(5) روي الطبري بسنده عن ابن عباس، في قوله: ﴿ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون﴾ ، قال: هاجت ريح، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليالٍ، فقال: ﴿إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون﴾. انتهى(6) و مما في حديث الكساء : يا أماه إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله. انتهى. وهذه الريح النبوية لا يشمها إلا صفوة من الخلق حباهم الله بذلك دون غيرهم.

أسد الله بن حسين الرجا

——————–
1- شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج 13 – ص 88.
2- شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج 13 – ص 88 – 89.
3- مختار الصحاح – الرازي اللغوي – باب القاف – ق ص ع.
4- شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج 13 – ص 210.
5- يوسف : 94.
6- تفسير الطبري – ابن جرير الطبري – يوسف : 94.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى