علوم الحديث

مناقشة دعوى نفي الحاجة لعلم الرّجال و القول في نشأته المخالفة

مشاركة في الٳجابة عن سؤال طلب فيه مناقشة دعوى نفي الحاجة لعلم الرّجال و القول في نشأته المخالفة

الجواب: لا يخفى عليكم إهماله بالجملة تفريط مخلّ بالاستنباط فيها – أعني الجملة – إذ يرجع المستنبط بموجبة جزئيّة غالبة إلى السّنّة المشرّفة و منقولها في الغالب آحاديّ لا يفيد علماً في فرض عدم التّواتر والتّجرد عن القرائن المفيدة له أو الاحتفاف بمشكوك إفادته فتكون تلك المنقولات من الظّنّيّات محرّمة العمل أصلاً – (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـًٔا إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِمَا يَفْعَلُونَ). يونس – آية 36. (فَجَعَلْتُمْ مِنهُ حَرامًا وحَلالًا قُلْ آللَّهُ أذِنَ لَكم أمْ عَلى اللَّهِ تَفْتَرُونَ). يونس – آية 59. – والّتي لا تخرج عن ساحة الحرمة إلّا بمخرج وهو ما تمخّض عن بحث حجّيّة الخبر في علم الأصول مخصوصاً بالثّقة من المخبريين فلا بد من معرفة حال رجال السّند لإحراز الوثاقة المُخرِجة عن ساحة الحرمة و هذا ما يستفاد من مذكور الرّجاليين في الغالب هذا في الحجّيّة والرّجوع أمّا معها دونه وفرض عدم المغني عن ذلك كما مرّ يتوارد الشّك في الجواز وعدمه من جهة الوثاقة وعدمها – بناءً على عدم أصالتها – فهل هذا ثقة أم لا ؟ ومعه أعني الشّك في ذلك يبقى أصل الحرمة قائماً في المورد فيتوقّف في الاستنباط من طريقه فبانت الحاجة لمذكور الرّجاليّين جليّاً.

ثمّ إنّ في المنقول المزبور ما يعارض بعضه مستقرّاً أو لا والثّاني أمره هيّن لا يتعدى الصّوريّة أمّا الأوّل فقد جاء في أمره مستفيضاً أخبار علاجيّة تفيد الرّجوع عند التّعارض لمجموع مرجّحات كالشّهرة وموافقة الكتاب وغير ذلك ومنها حال الرّاوي كالعدالة والورع والفقاهة وهذه الأوصاف تحرز بمراجعة علم الرّجال إذ لا حسّ للمستنبط بالرّواة إلّا من طريق شهادات الرّجاليّين المنقولة في علمهم والأمر بجميع المرجّحات يجعل أحدها لا يغني عن الآخر فلا يقال بكفاية باقي المرجّحات عن حال الرّاوي وقد قرّر صاحب التّنقيح هذا الوجه بطريق عقليّ بـ : (أنّا نعلم يقينا أنّ الأخبار متعارضة، و نعلم إجمالاً بوجود المرجّح لأحد المتعارضين منها في الواقع و نفس الأمر، و أنّ الأخذ بأحدهما- مع التّمكّن من تحصيل المعرفة بالمرجّح بالرّجوع إلى علم الرّجال- باطل، لقبح التّرجيح بغير مرجّح، فيلزم الرّجوع بحكم العقل إلى علم الرّجال لتحصيل هذا المرجّح، و هو المطلوب.) انتهى . تنقيح المقال في علم الرّجال – الشّيخ المامقاني (رحمه الله)- ج 1 – ص 60.

ناهيك عن استفاضة المنقول بل تواتره بكثرة الكذب على المعصوميين (صلوات الله وسلامه عليهم) ففي النّبويّ المعروف: (ستكثر بعدي القالة عليّ). المعتبر – المحقق الحلّيّ (رحمه الله) – ج 1 – ص 30. وعنه (صلّى الله عليه وآله) في حجة الوداع: (قد كثرت علي الكذّابة وستكثر بعدي فمن كذب علي متعمداً فليتبوّأ مقعده من النّار).انتهى. الإحتجاج ـ الطّبرسي أبو منصور (رحمه الله) ـ ج 2 ـ ص 246. وعن الصّادق (عليه السّلام): (إنّ لكلّ رجل منّا رجلاً يكذب عليه) انتهى. المعتبر – المحقق الحلي(رحمه الله) – ج 1 – ص 29.

الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ـ الشيخ يوسف البحراني(رحمه الله) ـ ج 1 ـ ص 8. وعنه (عليه السلام): (… يا فيض، ان النّاس أولعوا بالكذب علينا ان الله افترض عليهم لا يريد منهم غيره واني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وانما يطلبون به الدنيا..) انتهى. اختيار معرفة الرّجال – الشّيخ الطّوسي (رحمه الله) – ج 1 – ص 347.

وعنه (عليه السّلام): إنّا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند النّاس، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصدق البريّة لهجة، وكان مسيلمة يكذب عليه. انتهى. اختيار معرفة الرّجال – الشّيخ الطّوسيّ (رحمه الله) – ج ٢ – ص ٥٩٣. وعنه (عليه السّلام) : ما أكثر ما يكذب النّاس على علي (عليه السّلام). الكافي – الشّيخ الكليني (رحمه الله) – ج ٢ – ص ٢١٩. وفي المروي عن يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر (عليه السّلام) ووجدت أصحاب أبي عبد الله (عليه السّلام) متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرّضا (عليه السلام) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله (عليه السلام). اختيار معرفة الرّجال – الشّيخ الطّوسي – ج ٢ – الصفحة ٤٩٠. وفي التّنقيح أنّ المغيرة بن سعيد قال – فيما حكي عنه – : قد دسست في أخباركم أخباراً كثيرة تقرب من مائة ألف حديث. تنقيح المقال في علم الرّجال – الشّيخ المامقاني (رحمه الله) – ج 1 – ص 64.

وغير ذلك الكثير من منقول الإماميّة وممّا مرّ يعلم وقوع الكذب قطعاً ولا يعلم خلوّ ما نقل إلينا عنه فيتحتّم إعمال النّظر في ذلك بوسائل تمييز الصّحيح من السّقيم و من جملتها ما قلّبته أكفّ الرّجاليين في بيان حال النّاقلين فمن أشد القبيح بعد ما نقل من أخبار الوضّاعين العمل بخبر كلّ مخبر دون نظر في حال مخبريه وهذا – أعني النّظر – قضيّة العمل بكل خبر وبعبارة أخرى إنّ العمل بكل خبر – ومنه ما يخبر بوقوع الكذب على المعصومين(عليهم السلام) – يقضي بعدم العمل بشيء من الأخبار إلّا بعد أعمال النّظر في الصّدور لاحتمال كونه مكذوباً ثمّ إنّه قد نهى المولى في كتابه الكريم عن العمل بخبر الفاسق دون تبيّن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). الحجرات – آية 6.

ولعل في النّهي ما ينبي بغالبيّة عدم المطابقة في إخبار الفسّاق لذلك لا بد من أخذ الحيطة في ترتيب الآثار على إخبارهم عبر التّبيّن خصوصا في مهمات الأمور كما في مورد نزول الآية وليس بدونه فيها – أي الأهمية – مقام استنباط الأحكام فينبغي استيفاء التّبين في خبر الفاسق وأمّا ما لا يعلم حاله من جهة الفسق وعدمه يحتمل الفسق فيه ولا مثبت لجواز البناء على عكسه و إزالة الاحتمال راجعة مع عدم القرآئن والجابر إلى مسرح علم الرّجال وغير ذلك من وجوه و مؤيّدات تفيد حاجته ممّا يضيق به هذا المختصر كسيرة العلماء وغيرها.

هذا و لا يخفى عليكم ذكر بعض المانعين مجموعة ممّا يرام به إثبات دعواهم وصفت بالوهن في مبسوط العلماء وهي كذلك فعلاً و قد تركنا التّعرض لها دفعاً لإطالة الجواب مضافاً إلى الوهن المذكور ولعلّنا نتعرّض لذكرها مفصّلاً في مشاركة خاصة في قابل الأيّام بمشيئة الرّحمن وكيف كان فإنّ منقول الكتاب والسّنة ينبي بجذور هذا العلم كالأمر بالتّبين والتّثبت في الكتاب وإخبارهم (عليهم السّلام) بالكذب عليهم وتصريحهم (عليهم السّلام) بتوثيق أقوام وسلبها عن آخرين وما يقال من كونه من مخترعات المخالفين سبقهم في تصنيفه فينسب إليهم تأسيساً ليس بضار فالحق لا يعرف بهم وإنّما به يعرف ٲهله ولعلّ انقطاعهم عن مصدرهم التّشريعيّ قبل الإماميّة يفسر ذلك على القول به إذ قد يناقش فيه لما في تأسيس الشّيعة – راجع تأسيس الشّيعة لعلوم الإسلام/ السيد حسن الصدر(رحمه الله) / ص 234- من أنّ أول من صنّف فيه هو أبو محمد عبد الله بن جبلة بن حيان بن ابحر الكناني المتوفّى سنة تسعة عشرة ومائتين وهو وإن كان فطحيّاً إلّا أنّ هذه الدّعوى إن صحّت تنافي دعوى سبق المخالفين هذا والله العالم.

أسد الله بن حسين الرجا
زر الذهاب إلى الأعلى