بيان ما نقله المحدّثون عن المولى صاحب الزّمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف): وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا .. ؟
مشاركة فقهيّة في الجواب عن سؤال ٲحد الٲكارم حاصله بيان ما نقله المحدّثون عن المولى صاحب الزّمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف): وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا .. ؟
الجواب : ما ذكرتم شطر من مروي الصّدوق (رحمه اللّه) في الكمال عن المولى صاحب الزّمان (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) قال (رحمه اللّه): (حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التّوقيع بخطّ مولانا صاحب الزّمان (عليه السّلام) : أمّا ما سألت عنه من أمر المنكرين – إلى أن قال – : وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنّما يأكل النّيران وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث…) انتهى. راجع كمال الدّين وتمام النّعمة – الشّيخ الصّدوق (رحمه الله) – ج ١ – ص ٥١٣.
وظاهر الشّطر واضح وهو ممّا تمسّك به قائل إباحة الخمس في زمن الغيبة وسقوطه عن الموالين فيها خصوصاً أنّه من متأخّرات المنقول وردّه بالضّعف سنداً إذ فيه محمّد بن محمّد بن عصام وهو من مشايخ الصّدوق (رحمه الله) ولم يرد في حقّه توثيق و إسحاق بن يعقوب وهو مجهول لم يوثّق أيضاً ففي المعجم : (إسحاق بن يعقوب: روى عن محمّد بن عثمان العمري – رضي الله عنه -، وروى عنه محمد بن يعقوب الكليني. كمال الدّين: باب 49، في ذكر التّوقيعات الواردة عن القائم (عجّل الله فرجه)، الحديث 4.) انتهى. معجم رجال الحديث – السّيد الخوئي(رحمه الله) – ج ٣ – الصفحة ٢٣٦.
وفيه أيضاً محمّد بن محمّد بن عصام: الكليني، من مشايخ الصّدوق – قدس سرّه – ترضّى عليه في المشيخة: في طريقه إلى محمد بن يعقوب الكليني، وذكره في العيون: الجزء 1، الباب 11، فيما جاء عن الرّضا علي بن موسى (عليهما السّلام) في التّوحيد، الحديث 13، ولكن فيه: محمّد بن محمّد بن عاصم الكليني، والظاهر أنّه تحريف. وروى عنه في الفقيه: الجزء 4، باب الوصي يمنع الوارث ماله بعد البلوغ، ذيل حديث 578.) انتهى. معجم رجال الحديث – السّيّد الخوئي(رحمه الله) – ج ١٨ – ص ٢٠٩.
وفي فرض صحّة السّند تسليماً أو إلزاماً من ردّ التّضعيف بكثرة موافق التّوقيع في المنقول ممّا لا يلاحظ معها عدم اعتبار سنده كما هو قضيّة صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) هلك النّاس في بطونهم وفروجهم لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ. وسائل الشّيعة – الحرّ العاملي(رحمه الله) – ج ٩ – ص ٥٤٣. وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال : «إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) حلّلهم من الخمس ـ يعني: الشّيعة ـ ليطيب مولدهم.) انتهى. وسائل الشّيعة – الحرّ العاملي(رحمه الله) – ج ٩ – ص ٥٥٠.
وخبر محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: إنّ أشدّ ما فيه النّاس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي. وقد طيّبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم أو لتزكوا ولادتهم. من لا يحضره الفقيه – الشّيخ الصّدوق(رحمه الله) – ج ٢ – ص ٤٣. وخبر فيض بن أبي شيبة، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إنّ أشدّ ما يكون النّاس حالا يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال: يا رب خمسي، وإنّ شيعتنا من ذلك في حلّ. بحار الأنوار – العلامة المجلسي(رحمه الله) – ج ٩٣ – ص ١٨٨. وخبر أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم ؟ فقال لي: الكفّ عنهم أجمل، ثمّ قال: والله يا أبا حمزة إنّ النّاس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا، قلت: كيف لي بالمخرج من هذا؟ فقال لي: يا أبا حمزة كتاب الله المنزل يدلّ عليه أنّ الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفيء ثمّ قال عزّ وجلّ: ( واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) فنحن أصحاب الخمس والفيء وقد حرّمناه على جميع النّاس ما خلا شيعتنا والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلّا كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً. الكافي – الشّيخ الكليني (رحمه الله) – ج ٨ – ص ٢٨٦.
وخبر ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): أتدري من أين دخل على النّاس الزّنا؟ فقلت: لا أدري فقال: من قبل خمسنا أهل البيت إلّا لشيعتنا الأطيبين فإنّه محلّل لهم ولميلادهم. تهذيب الأحكام – الشّيخ الطّوسي(رحمه الله) – ج ٤ – ص ١٣٦.
لا يثبت السّقوط والإباحة للمعارضة فهي أعنى طائفة الإباحة معارضة بطائفة المنع المروية بكثرة لا مجازفة في دعوى بلوغها حدّاً تواتريّاً يجعل البحث السّنديّ فيها لغويّاً كخبر محمّد بن يزيد الطّبري قال: كتب رجل من تجار فارس إلى بعض موالي أبي الحسن الرّضا (عليه السّلام) يسأله الإذن في الخمس فكتب إليه (بسم الله الرّحمن الرّحيم إنّ الله واسع كريم ضمن على العمل الثّواب وعلى الخلاف العقاب، لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه الله، إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذل ونشتري من أعراضنا ممّن تخاف سطوته، فلا تزووه عنا؟؟ ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهّدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله بما عاهد عليه، وليس المسلم من أجاب باللّسان وخالف بالقلب والسّلام). تهذيب الأحكام – الشّيخ الطّوسي(رحمه الله) – ج ٤ – ص ١٤٠.
وما روي عنه أيضاً قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرّضا (عليه السّلام) فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس فقال: ما أمحل هذا؟! تمحّضونا المودّة بألسنتكم وتزوون عنا حقاً جعله الله لنا وجعلنا له ، لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحد منكم في حلّ. المقنعة – الشّيخ المفيد(رحمه الله) – ص ٢٨٤.
وخبر إبراهيم بن سهل بن هاشم قال: كنت عند أبي جعفر الثّاني (عليه السّلام) إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل وكان يتولّى له الوقف بقم فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ فإنّي أنفقتها فقال: له أنت في حل فلما خرج صالح قال: أبو جعفر (عليه السّلام) أحدهم يثب على أموال آل محمد و أيتامهم ومساكينهم و فقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثمّ يجئ فيقول اجعلني في حلّ، أتراه ظنّ أنّي أقول لا أفعل، والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً. الاستبصار – الشّيخ الطّوسي(رحمه الله) – ج ٢ – ص ٦٠.
وخبر الحسن بن سعيد عن فضالة عن أبان عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال سمعته يقول: من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله اشترى ما لا يحلّ له. تهذيب الأحكام – الشيخ الطوسي(رحمه الله) – ج ٧ – ص ١٣٣.
وخبر الحسين بن حمدان في حديث عن صاحب الزّمان (عليه السّلام) (أنّه رآه وتحته بغلة شهباء وهو متعمّم بعمامة خضراء يرى منه سواد عينيه، وفي رجله خفّان حمراوان، فقال: يا حسين كم ترز أعلى النّاحية ولم تمنع أصحابي من خمس مالك ثمّ قال: إذا مضيت إلى الموضع الّذي تريد أن تدخله عفواً وكسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقه، قال: قلت: السّمع والطّاعة ثمّ ذكر في آخره أنّ العمري أتاه وأخذ خمس. وسائل الشّيعة – الحرّ العامليّ(رحمه الله) – ج ٩ – ص ٥٤٢.
وغير ذلك من المنقول ممّا هو مانع عن التّحليل و آمر مطلق بإخراج الخمس من موارده المختلفة وهذا كثير مذكور في أبواب ما يجب فيه الخمس من المنقول فراجع.
ومع التّعارض الحاصل ينبغي التّوفيق والجمع فطرح طائفة دون معارضها ترجيح بلا مرجّح والتّبرعيّ منه دون دال عليه ليس بشيء كما هو ظاهر المدارك ومختار المفاتيح والحدائق من قصر المُحلّة على سهم الإمام والمانعة على سهم السّادة . راجع الحدائق الناضرة – المحدث البحراني(رحمه الله) – ج 12- ص 442 ـ 443 – 463 ـ 464. وقصر المحلة على زمان المحل في سهمه دون الآخر كما عن ابن الجنيد. راجع جواهر الكلام – الشّيخ الجواهري (رحمه الله) – ج 16 – ص 157. و حملها على المناكح خصوصاً كما عليه الشّيخ وشيخه في الاستبصار. راجع الاستبصار – الشّيخ الطّوسي(رحمه الله) – ج ٢ – ص ٦٠.
وقد أجاد الجواهر دفع الأوّل والثّاني فراجع. راجع جوهر الكلام – الشيخ الجواهري (رحمه الله) – ج 16 – ص 157.والثّالث مع عدم الدّال عليه منافٍ لإطلاقات نصوص الإباحة نعم تقرب صحّة الجمع معه أعني الدّال كما في حمل مشهور المتأخرين نصوص التّحليل على ما انتقل إلى الموالين ممّن لا يعتقد بالخمس أو لا يخمّس وإن اعتقد وأمّا ما وجب على المكلّف نفسه فلا موجب لسقوطه ولم يتعلّق به التّحليل فمنقول التّحليل محمول على الأوّل ومنقول عدمه محمول على الثّاني بدلالة طائفة من الأخبار منها خبر يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السّلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أنّ حقّك فيها ثابت وإنّا عن ذلك مقصّرون؟ فقال (عليه السّلام): ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم. من لا يحضره الفقيه – الشّيخ الصّدوق(رحمه الله) – ج ٢ – ص ٤٤.
و ما رواه الشّيخ بإسناده عن أبي جعفر، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ عن أبي سلمة سالم بن مكرم ـ وهو أبو خديجة ـ عن أبي عبدالله (عليه السّلام)، قال: قال رجل وأنّا حاضر : حلّل لي الفروج ، ففزع أبو عبدالله (عليه السّلام) ، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطّريق، إنّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها ، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أعطيه «فقال: هذا لشيعتنا حلال ، الشّاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أمّا والله ولا يحلّ إلاّ لمن أحللنا له. وسائل الشّيعة – الحرّ العامليّ(رحمه الله) – ج ٩ – ص ٥٤٤.
ولا يخفى إمكان المناقشة في الحاجة إلى الجمع أصلاً فهو وليد التّكافؤ المسلوب في المقام بين طرفي التّعارض لوقوع الرّاجحيّة مع أخبار المنع و ضدّها مع ضدّها فليس التّمسك بأخبار المنع من قبيل التّرجيح بلا مرجّح أو تقديم المرجوح على الرّاجح فالكتاب والمخالفة والسّيرة والشّهرة والإعراض والحكمة جميعاً مع طائفة المنع أمّا الكتاب فقوله تعالى : (واعلموا أنَّما غنمتم من شيء فإنَّ لله خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل). الأنفال – 41.
ظاهره موافق للمانعة وأمّا المخالفة فتقريبها كون طائفة التّحليل توافق في الجملة مذهب المخالفين من عدم وجوب الخمس فيما سوى الغنائم الحربيّة على تفصيل عندهم يراجع في محلّه وطائفة المنع تخالف ذلك فترجح لمخالفتهم وأمّا السّيرة العمليّة فهي قائمة في زمانهم (عليهم السلام) على قبض الأخماس واستمرار ذلك في صغرى الغيبتين قضيّة المنقول أيضاً وقد تلقّى علماء الإماميّة ذلك بالقبول في الكبرى إلّا نزر نادر منهم و مشهور الفتوى على المنع ظاهر وإعراض المشهور عن التّحليل أظهر فذاك من هذا في الجملة والحكمة مع المنع دون التّحليل لكونه ينافي الحكمة التّشريعيّة للخمس المشرّع سدّاً لحاجة ذريّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله ) و كفّاً لهم عن ذلّ السّؤال و ضروب المسكنة ومع إباحته للمولف وامتناع المخالف عن الإخراج لا يبقى ما يحقّق الغايات المذكورة خصوصاً مع تحريم الزّكاة عليهم حفظاً لماء وجههم و صيانة لهم من أوساخ النّاس فالتّحليل المطلق أشبه ما يكون بنقض الغرض مع أنّها آبية عن التّحليل الزّمانيّ أعني المقيّد بزمان المحلّل لما لها من إطلاقات لا تخفى وتطهيراً – عطفاً على كفّاً – للمخرِج المخمِّس بالكسر فيهما كما في مروي الكافي عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضال، عن ابن بكير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: إنّي لآخذ من أحدكم الدّرهم وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً ما أريد بذلك إلّا أن تطهروا. الكافي – الشّيخ الكليني(رحمه الله) – ج ١ – ص ٥٣٨.
هذا مع أنّ قضيّة الأصل في فرض التّساقط عدم السّقوط والإباحة فالاستصحاب مقتضاه ذلك وحسن الاحتياط معه ظاهر مع أنّه لا تصل إليه نوبة في الفرض لمقام الاستصحاب إن لم يقل بعدم وصولها إلى الاستصحاب أيضاً في فرض التّساقط إذ يرجع معه إلى العموم الفوقانيّ المأخوذ من الكتاب وبعض السّنة الخمسيّة
فإن قلت: بسقوطه مع السّاقط في المعارضة بين الطّائفتين من جهة كون إطلاقه مع طائفة المنع والإيجاب
قلت: إنّ التّعارض إنّما كان بين التّحليل وسلبه لا بين التّحليل والإيجاب فالممانعة أوّلاً وبالذّات إنّما كانت بين لسان نحلّ ولا نحل أي بين سلب الوجوب وسلبه لا بين الوجوب وسلبه بنحل فإنّ ممانعة الضّدّ العام تسبق الخاص من كونها تدور مدار تحقّق الشيء وعدمه و مع عدم الفراغ منها لا تحقّق يفرض لممانعة الضّدّ الخاص فالسّاقط من المتعارضين خصوصهما أعني التّحليل وعدمه دون ما كان بلسان نوجب فيبقى العموم الفوقاني لإيجاب الآية وأضرابها من السّنّة والمآل إليه.
وبعبارة أيسر إنّ التّعارض بين نحل ونوجب إنّما يكون بعد الفراغ من تحقّق نحلّ والحال لا فراغ من ذلك لتعارضها مع لا نحل فإذا فرض تساقط نحل ولا نحل يرجع إلى عموم نوجب هذا والله العالم.