بيان بعض تمثيلات قاعدة تخصيص العموم بالمفهوم ؟
مشاركة في الإجابة عن سؤال حاصله: بيان بعض تمثيلات قاعدة تخصيص العموم بالمفهوم ؟
الجواب : هذه المسٲلة من المبحوثات الأصوليّة ولا ٲجد خلافاً في تخصيصه بالموافقة نعم هو واقع في التّخصيص بالمخالفة وكيف كان ٲذكر لكم بعض ٲمثلة و تطبيقات علماء الأصول وأساتذة البحث في المورد ففي تخصيصه بالموافقة مثّلوا بعدّة منها:
ما لو قال السيّد لعبده: (كلّ من دخل داري فاضربه)، ثمّ قال: إن دخل زيد داري فلا تقل له: اُفٍ) فإنّ ذلك يدلّ على تحريم ضرب زيد وإخراجه عن العموم نظراً إلى مفهوم الموافقة وهذا التمثيل جملة مذكور الآمدي في الإحكام. راجع الإحكام في أصول الأحكام ـ ج 2 ـ ص 328.
و بما روي عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله): ليّ الواجد بالدّين يحلّ عرضه وعقوبته. بحار الأنوار ـ العلامة المجلسيّ (رحمه اللّه) ـ ج 100 ـ ص 146. وموطن التّمثيل ليّ الوالد الواجد فالحديث المذكور يشمله بعمومه الإطلاقي إلا أنّ مفهوم الموفقة من قوله: تعالى (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ). الإسراء ـ آية 23. يخصّص ذلك العموم ويخرج الوالد عنه ففي الآية تحريم الأف فكيف بما فوقها.
وبقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). المائدة / آية 5. فإنّه عام يشمل كلّ عقد يقع باللّغة العربيّة وغيرها، فإذا ورد في الشّريعة دليل على اعتبار كون العقد بصيغة الماضي فٳنّه يدلّ بمفهوم الموافقة على اعتبار العربيّة في العقد، لأنّه لما دلّ على عدم صحّة العقد بالمضارع من العربيّة واعتبار الماضويّة دون غيرها يدلّ على عدم صحّته بغير العربيّة بطريق ٲولى.
و ٲمّا في تخصيصه ـ ٲعني العام ـ بالمخالفة:
فقد مثّلوا لمفهوم المخالفة الأخصّ من العام بما روى المحقّق في المعتبر قال: قال (عليه السّلام) خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه. المعتبر ـ المحقق الحلّي (رحمه اللّه) – ج 1 ـ ص 40. وهو عامّ يشمل الماء القليل والكثير، فكلّه طاهر ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه. وقد روي عن الإمام الصّادق (عليه السّلام) أنّه قال: إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء. الكافي ـ الشّيخ الكلينيّ (رحمه اللّه) ـ ج 3 ـ ص 2 . ومفهوم المخالفة من هذا الحديث ٲنّه إذا لم يكن الماء قدر كرٍّ ينجس بملاقاة ٲي شيء من النّجاسة. فيخصص مفهوم المخالفة في الحديث الثّاني العموم في الحديث الٲوّل وتكون النّتيجة هي تنجّس ما دون الكرِّ بملاقاة النّجاسة وإن لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه بخلاف ما إذا كان كرّاً فلا ينجسه شيء من النّجاسات إلّا التّغيّر باللّون أو الطّعم أو الرّيح.
ومثّلوا للمفهوم المخالف الذي تجمعه مع العام نسبة العموم والخصوص من وجه : بما روى أبو بصير عن الإمام الصّادق (عليه السّلام) إنّه قال: كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه. الكافي ـ الشّيخ الكلينيّ (رحمه اللّه) – ج 3 ـ ص 58.
وظاهر هذا الحديث يشمل كلّ طير سواء كان ممّا يؤكل لحمه أو لا كذوات المخلب من الطّير .
وقد روى زرارة(رحمه اللّه) عن الإمام الصّادق (عليه السّلام) أنّه قال: أن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره وبوله و شعره… جائز إذا علمت أنّه ذكي… وسائل الشّيعة ـ الحرّ العامليّ ( رحمه اللّه) ـ ج 4 ـ ص 345. فانه يدلّ بالمفهوم المخالف على مانعيّة بول ما لا يؤكل لحمه سواء كان طيراً أم لا فيقع التّعارض بينهما في بول الطّير الّذي لا يؤكل لحمه كالنّسر مثلاً فالعام يقول لا بأس به والخاص يقول فيه بأس.
ومثاله ٲيضاً قوله تعالى: (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا). يونس ـ آية 36. الدّال بعمومه الٳطلاقيّ على عدم اعتبار كلّ ظنّ حتّى الظّنّ الحاصل من خبر العادل، وقد قال تعالى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا). الحجرات / آية 6. وهو يدل بمفهوم الشْرط على جواز الأخذ بخبر غير الفاسق من غير تبيّن فيتعارضان في خبر العادل الظّنّيّ فالعام يقول ليس بحجّة والخاص يقول إنّه حجّة.
و في مثل التّمثيلين الٲخيرين وقع الخلاف بين العلماء فذهب بعضهم إلى القول بالتّخصيص و آخرون ٳلى القول بالتّعارض فتجري ٲحكامه ـ أعني التّعارض ـ في المورد والتّحقيق في محلّه.