فقه

ما هو حكم ما يقوم به بعض المؤمنين من فعل هيئة السّجود عند زيارة مراقد الأئمّة (عليهم السّلام)

مشاركة فقهيّة في الإجابة عن سؤال نصّه: ما هو حكم ما يقوم به بعض المؤمنين من فعل هيئة السّجود عند زيارة مراقد الأئمّة (عليهم السّلام)؟

الجواب: يحرم السّجود لغيره تعالى ومن حكمته ما في العروة قال (رحمه الله): فإنّه غاية الخضوع فيختص بمن هو في غاية الكبرياء والعظمة. انتهى. راجع العروة الوثقى ـ السّيد اليزدي (رحمه الله) – ج 1- ص 534.

وهي ـ أعني الحكمة ـ متصيّدة من عريض المنقول كـ ما عن أمامنا العسكريّ(عليه السّلام) في احتجاج النّبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) على مشركي العرب أنّه قال: (أخبروني عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد اللّه فسجدتم له أو صليتم ووضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود بها فما الذي بقيتم لرب العالمين؟ أما علمتم أن من حق من يلزمه من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي عبيده؟ أرأيتم ملكا أو عظيما إذا سويتموه بعبيده في حق التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع من حق الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟ قالوا: نعم). انتهى. وسائل الشّيعة – الحرّ العامليّ – ج 6- ص 386.

ويدلّ عليها من الكتاب قوله تعالى: (لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ). فصّلت / آية 37 . وتقريبها بما عن السّيد الخوئي (رحمه اللّه) في المستند قال (رحمه اللّه) : فإنّ مناط المنع هو المخلوقيّة فيعمّ ما سواه تعالى وتخصيصهما بالذّكر لعظم الخلقة، ومن ثمّ احتج به إبراهيم (عليه السّلام) على ربوبيتهما فقال مشيرا إلى القمر هذا ربي، ثمّ للشّمس هذا ربي هذا أكبر. انتهى . راجع المستند في شرح العروة الوثقى- أبو القاسم الخوئيّ(رحمه اللّه) – ج 5 – ص 240.

وهو مسلوب الخدشة من جهة منافاة تعمية المناطات دون لسان الشّارع الأقدس لكونه قضيّة ظاهر الآية وغيرها فعاد إلى لسانه.

وقوله تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الجن / آية 18. ولا يخفى أنّ أفادتها المطلوب تقوم على أنّ المساجد في الآية سبعة الصّلاة وهي الجبهة والكفّان والركبتان وأصابع الرّجلين وهذا المعنى معه المنقول ففي الكافي عن الإمام الصّادق (عليه السّلام) في مقام تعليم الصّلاة لحماد بن عيسى …(وسجد على ثمانية أعظم الكفين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف وقال: سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله في كتابه فقال: ” وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وهي الجبهة والكفان والركبتان والابهامان ووضع الانف على الأرض سنة…) الكافي – الشّيخ الكلينيّ(رحمه الله) – ج 3 – ص 312.

وفي الوسائل عن العيّاشيّ(رحمه اللّه) في تفسيره عن إمامنا الجواد (عليه السّلام) في حدّ قطع يد السّارق: (أن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف، قال: لم؟ قال: لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: السجود على سبعة أعضاء: الوجه، واليدين، والركبتين، والرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى: ” وأن المساجد لله ” يعني به هذا الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ” فلا تدعوا مع الله أحدا ” وما كان لله لم يقطع…) وسائل الشّيعة – الحرّ العامليّ (رحمه الله) – ج 18 – ص 491.

وقد جعل صاحب الميزان (رحمه الله) الأنسب بناءً على كون المراد من المساجد ما مرّ أن يكون المراد بكون مواضع السّجود من الإنسان للّه اختصاصها به اختصاصاً تشريعياً والمراد بالدّعاء السّجدة لكونها أظهر مصاديق العبادة أو الصّلاة بما أنّها تتضمّن السّجود للّه سبحانه وهو مناسب لتفسيره الدّعاء بالعبادة مستشهداً باستعماله بها في قوله تعالى (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ). غافر – آية 60. وأنّ قوله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) وارد في موضع التّعليل لقوله تعالى: (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) قال (رحمه اللّه): (فالتقدير لا تدعوا مع اللّه أحداً لأن المساجد لله – فيكون المعنى أوحي إلي أن أعضاء السّجود يختصّ باللّه تعالى فاسجدوا له بها – أو أعبدوه بها – ولا تسجدوا – أو لا تعبدوا ـ أحداً غيره.) انتهى. راجع تفسير الميزان – السّيّد الطّباطبائيّ (رحمه اللّه) – ج 20 – ص 49.

وكذا تقوم – إفادتها – على تفسير المساجد بموضع السّجود من الأرض كما هو عند بعض أو نفس السّجود عند غيرهم – وإن كان ثانيهما بعيد يفتقر لدليل – إذ على الفرضين لا يجوز السّجود لغيره تعالى بملاحظة تفسير الدّعاء بالعبادة ومنها السّجدة والصّلاة فيجري على التّفسيرين تقدير الميزان ومنه يظهر خدشة ظاهر البيان من حصر ابتناء إفادة المطلوب بالتّفسير الأوّل قال (رحمه الله): (وأن المساجد للّه فلا تدعوا مع الله أحدا ودلالة هذه الآية الكريمة على المقصود مبنية على أن المراد بالمساجد المساجد السّبعة، وهي الأعضاء التي يضعها الإنسان على الأرض في

سجوده وهذا هو الظّاهر، ويدلّ عليه المأثور.) انتهى . راجع البيان في تفسير القرآن – السّيّد الخوئيّ (رحمه اللّه) – ص 472.

ومن السّنّة كثرة متناصرة تفيد تواتراً معنويّاً ـ فلا يشكل بضعف سند غالبها ـ منها ما عن إمامنا الحسن بن علي العسكري(عليهما السّلام):(لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون اللّه يخضع له كخضوعه للّه ويعظمه بالسّجود له كتعظيمه للّه ولو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير اللّه لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من متبعينا أن يسجدوا لمن توسّط في علوم علي وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ومحض وداد خير خلق اللّه علي (عليه السّلام) بعد محمّد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله). انتهى. وسائل الشّيعة – الحرّ العامليّ (رحمه اللّه) – ج 6 – ص 388.

و ما عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يوما قاعدا في’ أصحابه إذ مر به بعير فجاء حتى ضرب بجرانه الأرض ورغا فقال رجل: يا رسول اللّه أسجد لك هذا البعير فنحن أحق أن نفعل؟ قال فقال لا بل اسجدوا للّه ثمّ قال لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.) انتهى . وسائل الشيعة – الحرّ العامليّ (رحمه الله) – ج 6 – ص 385.

والامتناع للامتناع ظاهر ’’ لو ’’ في الحديثين وقضيّة ذلك الحرمة لغيره تعالى.

وأمّا ما يسوّغ السّجود لغيره تعالى من ظواهر كتابيةكقوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ). الحجر – آية 29. وقوله تعالى(رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ). يوسف ـ آية 4. و قوله تعالى: (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدً).يوسف – آية 100. من جهة كون ظاهرها السّجود لآدم ويوسف (عليهما السّلام) لا إليهما كما في الكعبة مجاب بما بالمنقول منه: ما روي عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) في حديث طويل إنّ زنديقاً قال له:(أيصلح السّجود لغير اللّه؟ قال لا قال فكيف أمر اللّه الملائكة بالسّجود لآدم؟ فقال إنّ من سجد بأمر اللّه فقد سجد للّه فكان سجوده للّه إذا كان عن أمر اللّه. ).انتهى. وسائل الشّيعة – الحرّ العامليّ(رحمه الله) – ج 6 – ص 387.

وما في خبر آخر أن موسى بن محمد سئل عن مسائل فعرضت على أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السّلام) فكان أحدها أن قال له أخبرني عن يعقوب وولده أسجدوا ليوسف وهم أنبياء؟ فأجاب أبو الحسن (عليه السّلام):(أما سجود يعقوب وولده فإنّه لم يكن ليوسف إنّما كان ذلك منهم طاعة للّه وتحيّة ليوسف كما كان السّجود من الملائكة لآدم كان ذلك منهم طاعة للّه وتحيّة لآدم فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكراً للّه لاجتماع شملهم ألا ترى أنّه يقول في شكره في ذلك الوقت ربّ قد آتيتني من الملك.) انتهى. وسائل الشّيعة – الحرّ العامليّ – ج 6 – ص 388 .

وعن إمامنا الحسن بن علي العسكري (عليهما السّلام) في تفسيره عن آبائه عن النّبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) قال: (لم يكن سجودهم يعني الملائكة لآدم إنّما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه للّه عزّ وجلّ وكان بذلك معظّماً مبجّلاً ولا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون اللّه يخضع له كخضوعه للّه ويعظّمه بالسّجود له كتعظيمه لله…). انتهى. وسائل الشّيعة – الحرّ العامليّ – ج 6 – ص 388.

وعنه (عليه السّلام) في احتجاج النّبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) على مشركي العرب أنّه قال:( … والله عزّ وجلّ حيث أمر بالسّجود لآدم لم يأمر بالسّجود لصورته الّتي هي غيره فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه؟ لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به؟ ثمّ قال أرأيتم لو أذن لكم رجل بدخول داره يوماً بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ أو لكم أن تدخلوا له داراً أخرى مثلها بغير أمره؟ قالوا لا قال فاللّه أولى أن لا يتصرّف في ملكه بغير إذنه فلم فعلتم؟ ومتى أمركم أن تسجدوا لهذه الصّور؟.). انتهى. وسائل الشّيعة – الحرّ العامليّ – ج 6 – ص 386.

ومنه بان محاسبة المسألة في لسان الشّارع تارة بأن السّجود للّه و المسجود له ظاهراً ليس إلّا وجهة وقبلة استقبلت تشريفاً لها وأُخرى بأن السّجود كان لآدم فعلاً لكنّه لمّا كان بأمر اللّه لم يكن شركاً بل طاعة للّه وامتثالاً لأمره تعالى فهو يؤتى من حيث أمر وكلا الوجهين مخرج من الإشكال.

وممّا ذكر ظهر الحال في المسألة من عدم جواز السّجود لغيره تعالى فما يفعله سواد الموالين من هيئة السّجدة عند قبور الأئمة(عليهم السّلام) يلزم أن يكون سجوداً للّه تعالى وإلّا حرم قال صاحب العروة(رحمه الله) : (يحرم السّجود لغير اللّه تعالى … فما يفعله سواد الشّيعة من صورة السّجدة عند قبر أمير المؤمنين وغيره من الأئمّة (عليهم السّلام) مشكل، إلاّ أن يقصدوا به سجدة الشّكر لتوفيق اللّه تعالى لهم لإدراك الزّيارة.) انتهى. راجع العروة الوثقى / السّيد اليزديّ (رحمه اللّه) – ج 1- ص 534.

ولا ينبغي تجويزه للمعصوم (عليه السّلام) من جهة استحسان تعظيمه بالسّجود له لما له من رتبة وعظمة عنده تعالى فيكون تعظيماً له ـ أعني الله تعالى ـ من طريقه لعموم النّهي عن السجود لمن سواه تعالى وعدم أمره في المورد و النّيّة المذكورة وفي الجواهر ـ بعد ذكر أخبار المنع وآخرها خبر احتجاج النّبيّ(صلى اللّه عليه وآله) على مشركي العرب المذكور ـ : أنّه مشابه لما وقع في أذهان المشركين قال (رحمه اللّه): ( ويشبه ما يقع من الاستحسان من بعض النّاس بجعل السّجود لأمير المؤمنين (عليه السّلام) زيادة في تعظيم اللّه باعتبار أن وقوعه له من جهة مرتبته عند اللّه وعظمته وعبوديته – فالسّجود له حينئذ زيادة في تعظيم اللّه – ما وقع في أذهان المشركين الذين حاجهم النّبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) بما سمعت، واللّه أعلم. )) جواهر الكلام – الشّيخ الجواهريّ(رحمه اللّه) – ج 10 – ص 126. هذا و اللّه العالم وبه تنال المكارم.

من جوار زينب الإسلام(عليها السّلام) المحتاج الأفقر أسد الله بن حسين الرجا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى