مشاركة في حكم ٳطلاق غير المسموع على الحقّ تعالى
الوضع رافد رئيس لبنك التّفهيم عند العقلاء وهم في معرض مناقشتهم لأيّ مسألة من مسائل علم ما يلقون ويتلقّون بمقتضاه بلفظ الكلمة أو رسمها وفق معانيها الموضوعة أو غيرها تجوّزاً سواء أكان لموافقة الوضع أو قبول الطّبع على الخلاف ومع عدم كفاية ما وضع من الألفاظ – باستعمالها الحقيقيّ أو المجازيّ – لحاجة الملقي التّفهيميّة أو كفايتها مع الإطالة التّعبيريّة غير اللّيقة بلاغةً من معانقتها الإيجاز يلجٲ لوضع جديد يحقّق المراد التّفهيميّ سواء أكان بلفظ مهمل قبله أعني الوضع أو لا مع عدم كفاية معناه الأوّل بغرض التّفهيم – وقد يسمّى اصطلاحاً – فمثلاً عند ملاحظة العلماء للمتعقّلات الوجوديّة ترآءت لا تكاد تنفكّ عمّا يلزم من فرض عدمه أو عكسه محال أو لا يلزم من هذا ولا ذاك ذلك فقسّمت حينها بقسمة ترديديّة دائرة بين النّفي والإثبات حاصلها: كون المتعقّل إمّا أن يلزم من فرض عدمه محال أو لا والثّاني إمّا أن يلزم من فرض وجوده محال أو لا.
فهذه أقسام أوّلها ما يلزم من عدمه محال وثانيها ما يلزم من فرض وجوده محال وثالثها مالا يلزم من فرض وجوده أو عدمه ذلك.
وفي قوّتها إنّ المتعقّل إمّا أن يلزم من فرض وجوده محال أو لا والثّاني إمّا أن يلزم من فرض عدمه محال أو لا.
فهذه أقسام أوّلها ما يلزم عن فرض وجوده محال وثانيها ما يلزم عن فرض عدمه محال وثالثها ما لا يلزم عن فرض وجوده أو عدمه ذلك.
ومع كون التّعبير عنها بألفاظها المذكورة وهي من المذكور مرارً وتكرارً في الباب لا يخلو عن الٳطالة ناهيك عن الاشتباه والإيهام الظاهر مما سبق هذا وغيره دفعهم لأن يضعوا لكلّ منها لفظاً دالاً على المراد بما ينفي ذلك فالأوّل في الأولى – وهو الثّاني من الثّانية – سمّوه واجباً والثّاني – وهو الأوّل من الثّانية – ممتنعاً والثّالث – وهو الثّالث من الثّانية – ممكناً فصحّ أن نردّد حينها في القسمة المذكورة بقول أوضح حاصله
كون المتعقّل إمّا أن يلزم من فرض عدمه محال أو لا والأوّل الواجب والثّاني إمّا أن يلزم من فرض وجوده محال أو لا والأوّل الممتنع والثّاني الممكن
أو يقال: إنّ المتعقّل إمّا أن يلزم من فرض وجوده محال أو لا والأوّل الممتنع والثّاني إمّا أن يلزم من فرض عدمه محال أو لا و الأوّل الواجب والثّاني الممكن
ثمّ إنّ هذا التّقسيم إنّما هو بالنّظر للمتعقلات الوجوديّة بماهي دون ملاحظة مؤثر أو وقوع – وإلّا فمعه قد اصطلح على التّوسعة بدواً من الرّئيس بإضافة قيمة ثالثة بين الوجوب والإمكان فالممكن بنفسه واجب بغيره عند علّته وهو معترض ما عن ابن رشد بدعوى كونه جمع بين معقولين من طبيعتين مختلفتين فـالممكن لا يمكن أن يكون واجباً لأنّ من طبيعته الإمكان لا الوجوب وكذا الحال في الواجب والتّحقيق له محلّ وعلى الأوّل من لاحظ التّأثير والوقوع قسّم الوجوب والامتناع لمنشرحات الذّات والغير والوقوع وقسّم الإمكان لمنشرحات الذّات والوقوع لعدم تعقّل الغيريّة فيه وبالتّالي لا تصلح القسمة بالنّظر إلى المتعقلات بما هي هي بالمعنى المذكور لمثل هذا التقسم – وباعتبار أن تقسيم المعقولات باصطلاح الوجوب والإمكان والامتناع ناظر إلى الوجود وعدمه فهو مضاف إليه أعني الوجود فيقال واجب الوجود وكذا الحال في الممكن والممتنع ومع انحصار معنى واجب الوجود في التّقسيم بالنّظر إلى المتعقلات بما هي هي بالحقّ تعالى صار التّعبير به منشئاً لاستحضاره من الانحصار المصداقيّ به تعالى وإطلاقه عليه إمّا أن يكون على نحو التّسمية أو الوصف وتجويز ذلك وعدمه معقد حيص وبيص بين علماء المسلمين عامّة والإماميّة خاصّة بين مانع في الاثنين وعكسه و مفصّل منعاً في الأوّل وتجويزاً في الثّاني دون العكس حسب قصير المطّلع وما يمكن استناد المانع في الاثنين إليه عدّة منها من الكتاب قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذّين يلحدون في أسمائه) صدق اللّه العليّ العظيم. الٲعراف/ آية 180.
بتقريب عهديّة الألف واللّام في (الأسماء) أي ادعوا اللّه بالأسماء معهودة الذّكر في الكتاب وصيغة الأمر ظاهر في الوجوب فالدّعاء مأمور به بالأسماء الحسنى المذكورة في الكتاب بدلالة العهديّة والمراد بالإلحاد التّعدّي إلى غير ما ورد من أسمائه من طريق السّمع.
وقوله تعالى(سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون)صدق اللّه العليّ العظيم.الصّافات/ آية 180. وقوله تعالى (سبحان اللّه عمّا يصفون)صدق اللّه العليّ العظيم.الصّافات/ آيه 159. وما يسانخ ذلك من آي الذّكر المنزهة لساحة قدسه تعالى عن وصف الآدميين وقوله تعالى (ولا تقفُ ما ليس لك به علم)صدق اللّه العليّ العظيم. الٳسراء/ آية 36. وقوله تعالى (ٳن يتبعون ٳلّا الظن وٳنّ الظن لا يغني عن الحقّ شيئا) صدق اللّه العليّ العظيم. النّجم/ آية 28. بتقريب خروج الإطلاق عليه تعالى من خارج المسموع عن دائرة العلم المنهيّ عنه كتاباً والدّاخل في دائرة الظّنّ غير المغني عن الحقّ بنصّ الكتاب.
ومن السنّة طائفة عقد لبعضها ثقة الإسلام الكليني (رحمه اللّه) باباً بعنوان النّهي عن الصّفة بغير ما وصف به نفسه تعالى ذكر فيه اثنتي عشرة رواية منها مروي محمد بن حكيم قال : كتب أبو الحسن موسى بن جعفر(عليه السّلام) إلى أبي: أنّ الله أعلى وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته فصفوه بما وصف به نفسه وكفوّ عمّا سوى ذلك. راجع ٲصول الكافي/ ج 1/ ص 102.
ورواية أخي مرازم المفضّل قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن شيء من الصّفة فقال: لا تجاوز ما في كتاب اللّه. راجع ٲصول الكافي/ ج 1/ ص 102. وفي العيون عن أبي الحسن الرّضا (عليه السّلام) من حديث طويل لسليمان : فليس لك أن تسميه بما لم يسمّ به نفسه. راجع عيون ٲخبار الرّضا( عليه السّلام) / ج 2/ ص 167.
وفي توحيد الصّدوق (رحمه اللّه) ما عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن الرّضا(عليه السّلام): إنّ الخالق لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه، وأنّى يوصف الّذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به، جلّ عمّا وصفه الواصفون، وتعالى عمّا ينعته النّاعتون. راجع التّوحيد/ الشّيخ الصّدوق( رحمه اللّه) / ص 61. وغير ذلك من المروي.
ولا يخفى أنّ ذكر ما يمنع التّسمية والتّوصيف مع بعضه دون فرز إنّما هو من جهة توصيفيّة الأسماء أي هي صفة لموصوف وهو وجدان منقول فعن عبد الرّحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السّلام) أو قلت له: جعلني الله فداك نعبد الرّحمن الرّحيم الواحد لأحد الصّمد؟ قال: فقال: إنّ من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر و جحد ولم يعبد شيئا بل اعبد الله الواحد الأحد الصّمد المسمّى بهذه الأسماء دون الأسماء إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه. راجع ٲصول الكافي/ ج 1/ ص 87 ـ 88.
وفيه عن محمد بن سنان قال: سألته – أي إمامنا الرّضا(عليه السّلام) – عن الاسم ما هو؟ قال: صفة لموصوف. راجع ٲصول الكافي/ ج 1/ ص 113. فكلّ من أدّلة المنع في البابين يعضد أدّلة الآخر ويمنع في بابه فما يمنع عن التّسمية يمنع عن الوصف من توصيفية الأسماء وما يمنع عن الوصف يمنع عن الاسم من رجوعه إلى التّوصيف أيضاً لذا لا ضير من الذّكر معاً والمناقشة كذلك.
ومن العقل يمكن بدعوى قصوره عن تمييز الكمال من النّقص المضاف لله تعالى حقّاً ليحمل الأوّل عليه ويسلب الثّاني عنه فليس له إلّا كلّيّة استجماعه لكلّ كمال وخلو ساحة قدسه عن كلّ نقص دون إمكانيّة فرز هذا عن ذاك بغير طريق السّمع فيثبت له ما أثبته وينفى عنه ما نفاه وما لم يرد في فيه شيء منه تعالى ترك له فلا حمل له عليه ولا سلب إذ لا ينفك حينها عن التّقوّل بغير علم.
و لا يخفى أنّ المذكور يسبح في فلك قياس كبراه شرعيّة كـ قولك العقل قاصر عن العلم بكون هذا كمال لله وكلّ ما لا يعلم كونه كمال لله يحرم نسبته إليه فالنّتيجة هذا يحرم نسبته إليه ونسبته إلى العقل إنّما كانت لعقليّة الصّغرى فصحّ نسبته إليه منها وإلى الشّرع من الكبرى.
قد يستدلّ عليه بالإجماع المستفاد من ظاهر الأوائل قال المرتضى (رحمه اللّه) : أقول إنّه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلاّ بما سمّى به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه (صلّى الله عليه و آله) أو سمّاه به حججه من خلفاء نبيّه، وكذلك أقول في الصّفات، وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمّد(عليهم السّلام)، وهو مذهب جماعة الإماميّة. أوائل المقالات/ السّيّد المرتضى(رحمه اللّه) / ٥٣.
ويمكن الجواب عمّا من الكتاب باستظهار كون الألف واللّام في الأولى جنسيّة لا عهديّة أي فدعوه بكلّ اسم حسن لا نقص فيه وعلى فرض التّسليم بالعهديّة فذلك جارٍ في موارد الدّعاء دون غيرها من كون الإلحاد لغةً الحيادة عن الحقّ والعدول عنه بمعنى الميل عن الصّواب وأيّ ميل في إطلاق ما هو عليه من رأس الكمال عليه بلفظ دلّ على ذلك ؟ هذا خارج عن الإلحاد والميل عن الصّواب قطعاً ومع عدمه – أعني القطع – تنزّلاً والتّسليم بالحكم قطعاً من حرمة الإلحاد فإنّه لا يثبت الحرمة في غير الوارد من السمع إذ لا مجال للتّمسّك بعنوان الإلحاد فيما لا يعلم انطباقه عليه من كون الحكم لا يثبت موضوعه فالقول به في مشكوك الموضوعيّة باطل من قبيل التّمسك بالعام في الشّبهة المصداقيّة.
وعن الثّانية وأضرابها بالحمل على ما لا يليق ممّا اشتمل على نقص ينافي الكمال المحض.
وعمّا بعدها بالعلم ومضمارهما عدمه فبان الحال.
وأما السّنة بنظر روايات معقود الكليني (رحمه الله) إلى التّجسيم والمحدوديّة كما هو بيّن من أولى مرويه في المعقود علي بن إبراهيم , عن عباس بن معروف, عن ابن أبي نجران ,عن حماد ابن عثمان, عن عبد الرحيم بن عتيك القصير، قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين، إلى أبي عبد الله (عليه السّلام): إنّ قوماً بالعراق يصفون الله بالصّورة وبالتّخطيط، فإن رأيت ـ جعلني الله فداك ـ أن تكتب إليّ بالمذهب الصّحيح من التّوحيد؟ فكتب إليّ:
سألت – رحمك الله – عن التّوحيد، وما ذهب إليه من قبلك. فتعالى الله الّذي ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير، تعالى عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله بخلقه، المفترون على الله، فاعلم – رحمك الله – أنّ المذهب الصّحيح في التّوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله جلّ وعز، فانف عن الله تعالى البطلان والتّشبيه، فلا نفي ولا تشبيه. هو الله الثّابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعدوا القرآن فتظلّوا بعد البيان. راجع ٲصول الكافي / ج 1 / ص 100.
فالظّاهر منها أن الغرض من النّهي عن وصف الله بغير ما وصف به نفسه، هو التّشنيع على القائلين بالتّجسيم والتّشبيه وهذا حال غالب المذكور في الباب فراجع.
وأمّا ما ليس فيه ما يعلم منه ذلك – أعني النّظر إلى التّجسيم والمحدوديّة – كما في مروي محمد بن حكيم وأخي مرازم المذكورين فلا مجال للتّمسك بإطلاقها من ضعف السّند مع أنّ مرويّ أخي مرازم قد يحمل على عدم تعدي القرآن مضموناً لا لفظاً فكل ما ناسب القرآن من هذه الجهة بأن يدلّ على كمال دون نقص جاز وليس من التّعدي وإلّا فلا وهو من التّعدي.
وقد يقال: إنّ ضعف سند مثل هذه الرّوايات لا يلتفت إليه مع كثرة الرّوايات الموافقة في المضمون الّتي لا تعرّض للتّجسيم والتّحديد فيها من قبيل خبر العيون والّتي تشكّل مع بعضها تواتراً معنويّاً في الباب يغنى عن ملاحظة السّند.
و يمكن ردّه بأن يقال: إنّ القرينة العقليّة مانعة عن هذا الإطلاق صارفة عن حصّة المعلوم وعدم التّسليم بذلك يجعل الظّنّ الإطلاقيّ في قبال العلم بالحقائق القطعيّة ممّا لم يرد من طريق السّمع مع أنّ الظّنّ لا يقاوم العلم و من منبّهات عدم شمول هذه الإطلاقات لما علم من الحقائق ونفي التّوقيفيّة ما في مروي الكافي من وصف الإمام الصّادق (عليه السّلام) لله تعالى بـ ’’الثابت الموجود’’ وما عن الإمام زين العابدين(عليه السّلام) وما في دعاء الحزين ’’أناجيك يا موجود’’ راجع مكارم الٲخلاق/ الشّيخ الطّبرسي( رحمه اللّه)/ ص 295. مع كون الكتاب خالٍ عن ذلك.
وثمّ إنّه لا يخفى إمكان حمل المنقول على المنع عن الإطلاق على أنّه من الحقّ تعالى دون لسانه لا في أنّه معبّر عن واقع لم يرد في نصّ أو وارد بتعبير آخر فما يحرم من طريقه – أعني المنقول – هو خصوص المطلق عليه على أنّه منه مع عدم الورود لا المعبر عن وصف كائن في الوقع ونفس الأمر لا على أنّه منه بل عما انكشف لا أكثر.
وأمّا العقل فلا إشكال في صحّة الكبرى وأمّا الصّغرى فبالتّسليم بالقصور إذ لا كلام في محدوديّة مسرحه لكن في الجملة لا بها فهل من قصوره إدراك وجود اللّه تعالى ثمّ وصفه بذلك ومناجاته كذلك مع عدم الورود في الكتاب؟ كلّا إذ لا مجال لإنكار المعلوم مع العلم به لعدم ورود السّمع به وقوله من مضحكات الثّكلى بقوة العلم بعدم العلم حاله أي علمه بعدم علمه بما هو عالم!! هذا محال فالحاصل إنّ لإدراك العقل حدّ ولا يعزب عنه معلومه كما في مثال الوجود المذكور وما يطلق على الحقّ تعالى لا من لسان الشّارع ليس إلّا من هذا القبيل من الحقائق الثّابتة.
وبعبارة أخرى إنّ المعلومات من الحقائق المنكشفة خارجة عن صغرى القياس المزبور فهي مستوعبة لغير المعلومات والمعلومات بالنّسبة إليها من قبيل السّالبة بانتفاء الموضوع.
و أما إجماع المقالات استظهارً فلا يركن إليه لاحتمال كونه مدركيّاً فيرجع الكلام في المدرك ولعل ذلك يفسر مخالفة طائفة لقضيّته لا أقل في الجملة.
وممّا سبق فلا دليل على حرمة إطلاق غير الوارد من لسان الشّارع عليه ممّا يعبّر عمّا هو واقع مع عدم اشتماله على نقص منافٍ لكماله المطلق إلّا أن ينسب إليه على أنّه منه مع عدم ذلك فهو كذب صراح وابتداع بيّن وأمّا ضرورة عدم تسبيب هجران الوارد من طريق الشّارع كما عن بعض مع حسنه إلّا أنّ المؤمِّنَ مانع من تحقّقه في شيء فالوارد محفوظ بالكتاب والألسن تلهج بما فيه فلا يبعد الجواز والحال هذه ٳلّا ٲنّ ذلك لا يلغي حسن الاحتياط في الدّين ومنه التّحرّز عن ذلك فهو ٲقرب للتّقوى و سبيل النّجاة والله العالم.