الكلام في مناقشة استدلال بعض العلماء على الحجيّة المضافة ٳلى الإجماع بالكتاب الكريم.
زيد عزّك ممّا استدل به في المقام قوله تعالى:(ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيرا) صدق الله العليّ العظيم.
وتقريب استدلالهم على المطلوب الجمع بين مشاققة الرّسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد فكلّ منهما حرام وإذا حرم اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم وهو ما أجمعوا عليه. راجع سلم الوصول/ ص 272.
ويمكن ردّه بٲن يقال: إنّ سبيل المؤمنين هذا ليس كيفيّاً مزاجيّاً حسب أهوائهم المجتمعة اتفاقاً وإنّما هو المسبّل شرعاً المتبوع بجريانهم عليه فليس نفس الجريان مٲخوذاً على نحو الممنوعيّة من التّرك ووجوب الموافقة في الجري إلّا إذا كان وفق التّسبيل الشّرعيّ فبان الرّد جليّاً إذ لا يعرف سبيل المؤمنين هذا إلا بمسبوقيّة معرفة كون المسير عليه مشرّعاً وإلا فإنّ نفس السّير لا ينبي بمشروعيّة المسار عليه وبعبارة مبسوطة إنّ المفهوم من كلام المستدل أنّ مشاققة الرّسول مغايرة لاتّباع غير سبيل المؤمنين وكلّ منهما حرام للجمع بينها في الوعيد ولكنّ الحقّ ٳنّ اتباع غير سبيل المؤمنين لا يعدو البيان لمشاققة الرّسول فمشاققته في اتّباع غير سبيل المؤمنين لأنّ المؤمن لا يشاقق رسوله فإذا كانت مشاققته هي اتباع لغير سبيل المؤمنين فمقابلها ٲعني الموافقة هي اتباع سبيلهم فيفرض في الموافقة كون الرّسول قد شرّع وسبّل شيئاً ثمّ وافقه المؤمنون باتباعه (وأن هذا سراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) فمن سار على ما سبّله وافق ومن سار على عكسه شاقق والأوّل اتباع لسبيل المؤمنين والثّاني خلافه وعليه فنفس السّير في جملة الأمّة أو جماعة منها وإن عرفت بالصّلاح لا يسمّى اتّباعاً لسبيل المؤمنين إلا بعد الفراغ عن معرفة المشرّع عن النّبيّ في رتبة سابقة – لتوقّف الوصف على شرطه – ليكون نفس السّير عليه موافقة للرّسول ويوصف المسير عليه بسيل المؤمنين فبان الحال جلياً.
وممّا استدل به ٲيضاً قوله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً لتكونوا شهداء على النّاس) صدق الله العليّ العظيم بتقريب كون الوسط هو العدول والخيار والمتّصف بهما لا يصدر عنه إلّا الحقّ فالإجماع الصّادر عن هذه الأمّة العدول الخيار حقّ. رسالة الطوفي المنشورة في مصادر التّشريع الٳسلامي/ ص 100 وما بعد. راجع عدّة الٲصول/ ص 234 وما بعدها. راجع الٲصول العامّة للفقه المقارن/ ص 247.
وفي ردّه يقال: لو سلّمنا تنزلاً ٲنّ معنى الوسطيّة هو التّعديل والخيريّة فهذا الوصف الثّابت لهذه الأمّة إمّا أن يكون وصفاً تكوينيّاً أو تشريعيّاً فإن كان الأوّل فلازمه صيرورة كلّ الأمّة عدولاً بالتّكوين فيستحيل صدور الخطأ من أفرادها والحال بطلانه بالوجدان لوقوع خلافه خارجاً فما أكثر العصاة فيها وإن كان الثّاني أي تّشريعيّاً فالمعنى أي شرّعنا لكم ما إن اتبعتموه صرتم عدولاً أخيارً فالوصف بالعدليّة منوط بالتّمسّك بما شرّعه الله فلا يمكن التّمسك بعدالتهم لإثبات التّشريع الحكميّ لما يختارونه ويجرون عليه كما هو الحال في الإجماع لكونه دوريّاً فعدالتهم متوقّفة على العلم بالحكم الشّرعيّ والعمل به والعلم بالحكم الشّرعيّ متوقّف على عدالتهم وهو دور باطل فلا يستفاد من الآية الحجة وفقاً للاستدلال المطروح.
وكذا استدلّ بعض بقوله تعالى: (كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) صدق الله العليّ العظيم وقد قرّب الشّيخ الطّوسي(قدّس سرّه) دلالة هذه الآية على الحجّيّة حسب المستدلّ بأنّ وصف الله تعالى الأمّة بالخيريّة وأنّها آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر يلزم بعدم وقوع الخطأ منها بالجملة لكون الوقوع يخرجها عن الخيار والأمر والنّهي المذكورين فما سارت عليه صحيح وإجماعها حجّة. راجع عدّة الٲصول/ ص 242.
ورده بٲن يقال: إنّ هذين الوصفين أي الخيريّة وكونها آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر إمّا أن يثبتا لكلّ الأمّة أو لبعضها والأوّل باطل بالوجدان فكثير من الأمّة لا يستحق وصف الخيريّة المذكور أو وصف الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بل عكس ذلك تماماً ويمثّل جلياً مصداقاً للأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف وينطبق عليه قول الباري (يحبّون أن تشيع الفاحشة بين الّذين آمنوا) وأمّا الثّاني أي حمل الوصف على البعض دون الكلّ فهذا الوصف إمّا أن يفرض مع احتمال الخطأ في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فيأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف أو لا فإن كان الأوّل فلا ملازمة بين ما يذهبون إليه وإصابة الحقّ فلا تثبت الحجيّة لسبيلهم لاحتمال مخالفة الواقع وإن كان الثّاني فمعنى ذلك ثبوت العصمة لهم والخصم لا يقبل ثبوتها لغير النّبيّ في الجملة بل له عند بعض فيسقط الاستدلال على المطلوب رأساً.
ومن العلماء من استدل بقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا) صدق الله العليّ العظيم. بتقريب كون الإجماع حبل الله فيجب الاعتصام به ولا يجوز التّفرق عنه. راجع الٲصول العامّة للفقه المقارن/ ص 248.
ورده بمناقشة كون الاجماع مصداقاً من مصاديق حبل الله ٳذ ذلك تفسير بلا مستند وقول بلا دليل نعم قد تؤيّده قرائن في الآية كلفظ (ولا تفرقوا) الّذي يحضّ على الاجتماع وهذا في نفسه ممّا لا خلاف فيه فقوله (ولا تفرقوا) لا يعدو كونه توكيداً بالضّد لقوله (واعتصموا) ولكنّ الكلام في معنى حبل الله و بالنظر للكتاب والسّنّة لا نجد هكذا معنى للحبل الزبور بل في لسان الشارع ما يجعل الحبل ٳشارةً الكتاب الكريم ففي الحديث (إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب الله حبل ممدود من السّماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي…) فالرّاجح عندنا كون حبل الله الكتاب الكريم ولا يفوتنا استطرادً ذكر استلزام التّمسك بالكتاب التّمسك بالعترة لكونها المبيّن والموضّح له فحقيقة التّمسك به موقوفة على التّمسك بالعترة الطّاهرة فحاصل المناقشة ٲخيراً في إثبات كون الإجماع مصداقاً من مصاديق حبل الله والقول به لا يعدو كونه تفسيراً بالرّأي وقد ورد في الحديث (من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النّار)
هذا والله الموفّق للصّواب وبه الهداية والرّشاد.
ملاحظة: المناقشة عبارة وظيفة ٲلزمنيها ٲحد ٲساتذتنا الٲفاضل(دامت توفيقاتهم) مع جملة من زملائي الكرام في الحوزة العلميّة الزّينبيّة المقدّسة منذ بضع سنوات مشترطاً جدّة المرسوم فٲجبت المنشود حينها ونشرته السّاعة للفائدة.
دمتم ودام ٳسلام السّلام بدماء سيّد الشّهداء ذبيح كربلاء(عليه السّلام).
لبيك يا حسين…..