مشاركة فقهيّة في بعض ما يتعلّق بالقرض من الأحكام
القرض بكسر القاف وفتحها تمليك مال لآخر بالضّمان فيكون(المُسْتَقْرَضُ) في عهدة (المُقْتَرِضِ)على أنّ يؤدّيه (للمُقْرِضِ) وفق الزّمن المتّفق عليه إمّا بالنّفس أو المثل أو القيمة كما هو واضح أي أنّه عقد يتضمّن تمليك شخص ماله لغيره مع ضمان ذلك الغير المال المملّك بالذمّة وتفرغ بارجاع نفس (المُسْتَقْرَضِ) أو مثله إن كان مثليّاً أو قيمته إن كان قيميّاً واشتمال القرض على التّمليك والضّمان من المسلّمات القريبة من الوجدان فلا تحتاج إلى مزيد برهان وتفريقه عن البيع من حيث التّمليك حاصل بما ذكره الشّيخ (قدّس سرّه) في المكاسب من أنّ البيع مشتمل على المعاوضة فالبائع يملّك المشتري بعوض وهو الثّمن والقرض لا يشتمل على المعاوضة المذكورة إذ هو تمليك عين مع الضّمان. راجع المكاسب/ ج 2 / ص 17.
والقرض من العقود بنفي الخلاف في الجواهر. راجع جواهر الكلام/ ج 25/ ص 1.
ودعوى الضّرورة الفقهيّة في المهذب . راجع مهذب الأحكام / ج 21/ ص 38. فهو عقد عقلائيّ متعارف بين النّاس مع اختلاف الملل والأديان وإطلاق الزّمان والمكان.
وكونه من العقود يوجب توقّفه على الإيجاب والقبول وهو توقف على النحو الأعمّ من القوليّة فيكفي تحقق الايجاب والقبول بأحد فرديه قوليّاً كان أم فعليّاً – أي ما يسمّى بالعقد المعاطاتي – إذ بهما تبرز مقبوليّة الطّرفين.
ولا يخفى أنّ القرض أخصّ من الدّين فنسبته إليه العموم والخصوص المطلق فكلّ قرض دين وليس كلّ دين قرض وذلك أنّ الدّين هو مال كلّيّ ثابت في الذّمة لغير صاحبها مع قطع النّظر عن المنشأ والسّبب كالضّمان والنّكاح بالنّسبة إلى المهر والزّوجيّة بالنّسبة إلى نفقة الزّوجة وبيع النّسيئة والقرض وغير ذلك.
وندب القرض أكيداً ثابت في الجملة بلا خلاف للنّصوص المتواترة في الكتاب والسّنة قال تعالى (وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم) . صدق الله العليّ العظيم. سورة الحديد / آية 18.
وعن الرّسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) :(من أقرض مؤمناً ينظر به ميسوره، كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتّى يؤدّيه). وسائل الشّيعة / الباب 6 من أبواب الدّين/ الحديث 3.
وقال(صلى الله عليه وآله وسلّم) :(ومن أقرض أخاه المسلم كان له بكلّ درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات وإن رفق به في طلبه تعدّى على الصّراط كالبرق الخاطف اللّامع بغير حساب ولا عذاب ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه (عزّ وجلّ) عليه الجنّة يوم يجزي المحسنين). وسائل الشّيعة / الباب 6 من أبواب الدّين / الحديث 5.
وله من الفضل ما يفوق الصّدقة فالدّرهم منه بثمانية عشر درهماً ودرهم الصّدقة بعشرة فقد ورد عن أبي عبد الله(عليه السّلام) :(القرض الواحد بثمانية عشر وإن مات حسبتها من الزّكاة). راجع وسائل الشّيعة / الباب 6 من أبواب الدّين/ الحديث 4.
وفسّره بعض كما نقل الشّهيد(قدّس سرّه) في الرّوضة بأنّ السّر فيه يكمن كون الصّدقة تقع في يد المحتاج وغيره والقرض لا يقع إلّا في يد المحتاج غالباً وأنّ درهم القرض يعود فيقرض ثانياً ودرهم الصّدقة لا يعود. راجع الرّوضة البهيّة مع حاشية السّيّد كلنتر(قدّس سرّه)/ ج 4 / ص 11.
ثمّ إنّ تلك المندوبيّة مضافة إلى فعل المقرض أمّا فعل المقترض فلا بل قد يقال بالمبغوضيّة والكراهة معها بالنّظر إلى بعض النّصوص فعن النّبي(صلّى الله عليه وآله)(من أراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء وليجوّد الحذاء وليخفّف الرّداء وليقلّ مجامعة النّساء قيل: وما خفّة الرداء؟ قال: قلّة الدّين). وسائل الشّيعة / الباب 1 من أبواب الدّين / الحديث 5.
وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول :(أعوذ بالله من الكفر والدّين ، قيل : يا رسول الله أتعدل الدّين بالكفر ؟ قال : نعم). وسائل الشّيعة / الباب 1 من أبواب الدين / الحديث 6. وعنه(صلّى الله عليه وآله): (إيّاكم والدّين فإنّه شين الدّين). وسائل الشّيعة/ الباب 1 من أبواب الدّين / الحديث 2.
وعلى فرض تمام استفادة المبغوضيّة من المرويّ فهو إنّما يكون عند عدم الحاجة أمّا معها فلا ويرجع الأمر إلى الجواز بالمعنى الأعمّ حسب المورد وهو مقتضى النّظرة الكّليّة في كل المنقول والجمع بين نصوصه إذ فيه ما يمدح الدّين وينقل تلبس الأئمّة بالمديونيّة ومفارقة الحياة معها وتسويغ الأئمّة(عليهم السّلام) لها بالأشعار فعن فضالة عن موسى بن بكر قال : ما اُحصي كم سمعت أبا الحسن موسى ( عليه السّلام ) ينشد : فإن يك يا اُميم عليَّ دينٌ فعمران بن موسى يستدين . راجع وسائل الشّيعة/ الباب 2 من أبواب الدّين/ الحديث 6.
ولعلّ مراعاة الجمع جعلت حرّ الوسائل(قدّس سرّه) يذكر النّصوص الدّالة على الكراهة معنونة بها في فرص الغنى لا مع عدمه أي باب كراهة الدّين مع الغنى وبوّب المادحة للقرض في الجملة والّتي تنقل استدانة الأئمة(عليهم السّلام) وموتهم مع المديونّة وغير ذلك بباب جواز الاستدانة مع الحاجة إليها. والله العالم وبه تنال المكارم.