فقه

مشاركة فقهيّة في جواز المغارسة

المغارسة مفاعلة من الغرس والمراد بها معاملة على أن يدفع أحد الطّرفين أرضاً إلى الآخر ليغرسها بغرسه أو بغرس المالك على أن يكون الغرس بينهما.

وفي مشروعيّتها خلاف بين علماء الملّة و المذهب فذهب بعضهم إلى البطلان والفساد وبعض إلى الصّحة والجواز وتوقّف آخر

وعلى الأوّل جمع غفير من علماء الإماميّة كالمحقّق(قدّس سرّه) في الشّرائع وصاحب الجواهر(قدّس سرّه) فيها – راجع جواهر الكلام / ج 27 / ص 93- والشّهيد الأوّل(قدّس سرّه) في اللّمعة- راجع الرّوضة البهيّة مع تعليقة السّيّد كلنتر(قدّس سرّه) / ج 4/ ص 320 – والشّهيد الثّاني(قدّس سرّه) في المسالك – راجع مسالك الأفهام/ ج 5/ ص 71- والعلّامة(قدّس سرّه) في التّذكرة – راجع تذكرة الفقهاء/ ج 2 ص 342 – والبحرانيّ(قدّس سرّه) في الحدائق – راجع الحدائق الناضرة / ج 21 / ص 392- وعلى البطلان أكثر العامّة كما في المسالك – راجع مسالك الأفهام/ ج 5/ ص 71- والتّذكرة – راجع تذكرة الفقهاء/ ج 2 ص 342 – وعليه الإجماع بقسميه حسب الجواهر – راجع جواهر الكلام / ج 27 / ص 93- وبالإضافة إلى (نا) في الجامع – راجع جامع المقاصد / ج 7 / ص 392- وإلى الأصحاب في الحدائق – راجع الحدائق الناضرة / ج 21 / ص 392- وهو – أي البطلان – قضيّة كلام المبسوط والسّرائر في مسألة الوَدِي حسب المفتاح – راجع مفتاح الكرامة / ج 20 / ص 301. وقد جرى على البطلان بعض فحول المعاصرين كالسّيّد الخوئيّ(قدّس سرّه) والشّيخ الوحيد (مدّ ظلّه) وغيرهما. راجع منهاج الصالحين مع تعليقة الشّيخ الوحيد(مدّ ظلّه) / ج 3 / ص 125. راجع العروة الوثقى مع تعليقات المراجع الأربعة/ ج 2 / ص 582.

وعلى الثّاني جمع من المعاصرين كصاحب العروة (قدّس سرّه) إن لم يتحقّق الإجماع على الخلاف. راجع العروة الوثقى مع تعليقات المراجع الأربعة/ ج 2 / ص 582. وصاحب المهذب(قدّس سرّه) لا في البحث بحسب الأصل ما لم يقل بٲصالة الصّحة بل بحسب العمومات والأدّلة الخاصّة والكلمات . راجع مهذب الأحكام / ج 20 / ص 203. والسّيّد المرجع(مدّ ظلّه) في المسائل. راجع المسائل الإسلاميّة / ص 500. والسّيّد السّيستانيّ (مدّ ظلّه) في المنهاج. راجع منهاج الصالحين/ ج 2 / ص 152.

وعلى الثّالث ظاهر المقدّس(قدّس سرّه) في المَجْمَعِ إذ توقّف في البطلان لو لا الإجماع لاقتضاء العمومات خلافه قال(قدّس سرّه) في مقام بيان أدلّة البطلان: بل الإجماع أيضاً عندنا ولو لا ذلك لأمكن القول بالصّحّة. انتهى. راجع مجمع الفائدة والبرهان/ ج 10 / ص 144. والسّبزواريّ(قدّس سرّه) في الكفاية إذ قال(قدّس سرّه) بعد ذكر بطلانها عند الأصحاب وأكثر العامّة وتعليله بتوقّف المعاوضات على الإذن من الشّارع وانتفائه في المقام: ولقائل أن يمنع عدم الإذن العام. انتهى. راجع كفاية الأحكام / ج 1 / ص 645.

والفيض(قدّس سرّه) في المفاتيح قال (قدّس سرّه) بلسان قيل الممرّض: قيل: إذا دفع أرضاً إلى غيره ليغرسها على أن الغرس بينهما، كانت المغارسة باطلة… و قيل فيه أقوال أخر. راجع مفاتيح الشّرائع /ج 3 / ص 101.
وحجّة من ذهب إلى الأوّل حسب ما وجدت أربعة

أحدها: أنّ البطلان قضية الأصل لكون عقود المعاوضات موقوفة على إذن الشّارع ولا إذن في المقام فحكم بالبطلان كما في الجواهر والمسالك والمجمع والحدائق وهو حجّة المعظم حسب المفتاح والعمومات الواردة كقوله تعالى (أوفوا بالعقود) لا تفيد في المقام يثبت بها لزوم الصّحيح دون مشكوك الصّحّة. راجع جواهر الكلام / ج 27/ ص 59 و ص 93. راجع مفتاح الكرامة / ج 20 / ص 301.
ثانيها: الغرر والجهالة كما في المجمع . راجع مجمع الفائدة والبرهان / ج 10/ ص 144
ثالثها: الإجماع لمدّعيه. راجع مفتاح الكرامة / ج20/ ص 302.
رابعها: انفكاك أثر الإنشاء العقديّ عنه مع لا بدّية المقارنة وفي مثله لا يقال بالجواز بلا دليل ففي المغارسة لا يصبح مالك الأرض مالكاً لشيء من الأشجار إلا بعد الغرس لا من حين العقد كما هو ظاهر تعاريفهم لها حسب بعض العلماء فيلزم الإشكال المذكور. راجع كتاب المساقاة للسّيّد الخوئيّ /ص ٨٣. راجع دروس تمهيديّة في الفقه الاستدلاليّ/ ج 2 / ص 155.

ويمكن التّفصي من المذكور بأنّ الأربعة المزكورة تسبح في فلك تأسيسيّة المعاملات على الظّاهر إي توقيفيّتها الشّرعيّة إذ منها يقال باقتضاء الأصل الفساد والبطلان دون إذن شرعيّ بها مع أنّ التّحقيق الحقيق بالمتأمّل خلافه من إمضائيّها إذ ليست المعاملات مجعولة للشّارع كما قطع به غير واحد كالميرزا النّائينيّ (قدّس سرّه) وفقاً لأجود التّقريرات – أجود التقريرات – / ج 1 / ص 48- وحقّقه غير مرّة حكيم المهذّب(قدّس سرّه) – مهذّب الأحكام / ج 20/ ص 203- وغيره من العلماء فما المعاملات بأسرها إلّا مخترعات عرفيّة ليّنة متجدّدة بحسب الحاجة الإنسانيّة ومقتضيات الاجتماع البشريّ واستمراره النّوعيّ يجريها العقلاء وفقاً لذلك.

نعم تدخّل الشّارع الٲقدس فيها تدخل مصلحيّ رهين بالحاجة وفقاً لما يراه الشاّرع لذا قد يقييد بعض المعاملات أو يخصّصها أو يلغيها ويحرّمها.

إذا تمّ هذا بان رد الأوّل فهو متوقّف على التّوقيفيّة ومع منعها يكفي في ثبوت الإمضاء عدم الرّدع عنها ٲي إمضاء بالتّقرير السّكوتيّ بل أمضيت لا به وإنّما بالعمومات والإطلاقات.
والثّاني: بأنّها غرريّة لابدّيّة تعدّ من لوازم بعض المعاملات المتعارفة و لا يعتني بها العرف بل قد لا يراها من الغرر مع كونه ميزاناً له كما عليه المجدّد الشّيرازيّ(قدّس سرّه) في الموسوعة. راجع موسوعة الفقه / ج 55/ ص
ولا يقال بكون المصحّح لها هو الإذن الشّرعيّ فيها المثبت للصّحة معه – أي مع الغرر – لما ذكر من البناء على الإمضائيّة وتحقّقها بعدم الرّدع بل بالعمومات والإطلاقات الّتي تثبت الصّحة معه.
ولا يقال برادعيّة أدلّة الغرر عنه لما بان من عدم الاعتناء به أو انتفائه عرفاً.
والثّالث : بوهنه رأساً فمحصّله غير حاصل و منقوله غير قابل من احتمال كونه مدركيّاً ناظراً إلى الأوّل – أي دليل المانعين الأول- وقد بان بطلان المدرك أو إلى الثّاني – أي الغرر والجهالة – ورده آتٍ ثمّ إن المتيقّن منه على فرض اعتباره البطلان بعنوان المساقاة المعهودة لا بطلان أصل المغارسة.
والرّابع: بوروده في المزارعة والمساقاة إذ لا زرع ولا ثمار حال العقد فانفكّ الأثر عن المؤثّر أعني الملك عن العقد فإن قيل: إنّ ذلك للدليل التأسيسيّ أو الممضي لهذه المعاملات بالخصوص قلنا: بمنع التّأسيس وتحقّق الإمضاء بعدم الرّدع بل بالعمومات نعم على التّأسيسة ليس العموم مما يفيد الإذن إذ به يلزم الصحيح لا صحّة المشكوك وهو من صريح الجواهر – راجع جواهر الكلام / ج 27 / ص 59 .

– ثمّ إنّ ممّا يرده ما أشار إليه بعض الأعلام من أنّ ما يحصل في المستقبل هو من وجهة نظر العرف بمنزلة الموجود كما عن السيد الطباطبائي(قدّس سرّه) حسب دروس الإيرواني (مدّ ظلّه) – راجع دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي/ ج 2 / ص 135- فلا انفكاك للأثر ولو مسامحة وهو كحال منافع العين في الإجارة إذ يفترض أن تملك بالعقد من حينه والحال أنّها غير متحقّقة ٲصلاً فكيف تملك دون فرض التّحقّق على نحو المسامحة والاعتبار.

هذا والله العالم وبه تنال المكارم.

ٲسد الله بن حسين الرجا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى