الكلام في معنى الغرر و حكمه قصراً على البيع أو لا.
في معنى الغرر كلام بين العلماء فقيل هو الخديعة الملازمة للغفلة وعدم الالتفات من المخدوع ومنه يفسّر بالغفلة أيضاً .
قال في القاموس : «والغارُّ الغافلَ، واغتَرَّ غَفَلَ، والاسم الغِرَّة بالكسر» القاموس المحيط / 450.
وقال في الصّحاح : «الغِرّة : الغفلة . والغارّ : الغافل ، واغتَرَّهُ : أي أتاه على غِرَّة منه ، واغترّ بالشيء : أي خدع به» الصّحاح/ ج 2 / ص 768.
ويشهد لهذا المعنى المحكي عن النّبيّ(صلّى الله علية و آله وسلّم) أنّ (المغرور يرجع إلى من غرّه) والحاكي هو المحقّق الثّاني(قدّس سرّه) في حاشية الإرشاد. راجع حاشية كتاب المكاسب للسّيد اليزدي(قدّس سرّه) / ج 1/ ص 179.
وقيل هو الخطر قال في الصّحاح:«والغرر: الخطر. ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الغرر، وهو مثل بيع السّمك في الماء والطّير في الهواء». راجع الصّحاح / ج 2/ ص 768. وقال في المصباح: «و الغَرَرُ الخَطَرُ». راجع المصباح المنير في غريب الشّرح الكبير للرّافعيّ/ج 1/ ص 445. وقال في الجواهر:« على غرر أي على خطر، من قولهم غرّر بنفسه إذا خاطر بها». راجع جوهر الكلام / ج 22/ ص 387.
وقيل ما كان على غير عهدة ولا ثقة وتدخل فيه البيوع الّتي لا يحيط بكنهها المتبايعان، من كلّ مجهول كما هو المحكي عن الأزهري والحاكي هو ابن الأثير في النّهاية . راجع النّهاية في غريب الحديث / ج 3/ ص 355.
وقيل ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه ومنه قوله تعالى: ﴿متاع الغرور﴾ وشرعا «هو جهل الحصول». راجع القواعد والفوائد / ج 2 / ص 137.
و روي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنه عمل ما لا يؤمن معه من الضّرر . راجع جواهر الكلام /ج 22 / ص 387.
قال في الجواهر: وهذا ناظم لجميع ما قالوه. راجع جواهر الكلام / ج 22/ ص 387. وهذا النّظم على الظاهر لكون الخديعة مقطوعة الضّرر إلّا أن يقال بانطباقها على ما فيه نفع المعامل دون إرادته وهو بعيد وعدم العهدة والثّقة وجهالة الصّفة أو الحصول لا يؤمن معها الضّرر ولا كلام في الضّرر فهو ضرر فما لا يؤمن معه الضّرر شامل لما ذكر من معاني.
ويمكن بحمل الغرر على الجهالة التّوفيق بين الأقوال السّابقة لاحتمال الضرر في الجهالة فتضاف إلى الخطر من هذا الجانب فقد يكون نهي الشّارع عن المعاملة الغررية لسدّ باب المخاطرة الناتجة عن الجهالة المحتملة للضّرر الّتي تفضي إلى التّنازع في المعاملات.
وعلى أيّ حال حمل بعض الأفاضل معنى الغرر في حديث النّهي عن بيع الغرر المنسوب إلى النّبي(صلّى الله عليه وآله ). راجع عوالي اللّئالي /ج 2 / ص 248. عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) /ج 1/ ص50. على المعنى الثّاني بدعوى أنّ المعنى الثّاني كما هو الثّالث والخامس- ولم يذكر الرّابع في بحثه- تفسير باللّازم بخلاف الأوّل فهو تفسير بمعنى الغرر الحقيقيّ وعلى ذلك استظهر أنّ المراد من الغرر في النّبويّ الثّاني دون الأوّل لعدم كون الغرر بمعناه المطابقيّ – كما هو المعنى الأوّل حسب دعواه – موجباً لفساد المعاملة لأنّ الخديعة بمعنى التّدليس لا توجب إلاّ الخيار لا البطلان والفساد. راجع تفصيل الشريعة / الإجارة / ص 25.
وبناءً على حمل الغرر على الخطر فهل المنساق من الغرر المنهيّ عنه في النّبويّ الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع ومقداره ،أم من حصول التّسليم وعدمه أم الأعمّ الشّامل للتّسليم وعدمه ؟
وجوه بل أقوال والأوّل عليه الجواهر ضرورة حصول الخطر المضاف إلى التّسليم وعدمه في بيع كلّ غائب وهو إجماعيّ الصّحة كما في بيع الثّمار والزّرع ونحوهما ، وبالجملة : لا مخاطرة في بيع المجهول بالإضافة إلى التّسليم ، خصوصاً بعد الجبر بالخيار عند تعذّر التّسليم المحتمل. قال في الجواهر:« قلت: المنساق من الغرر المنهيّ عنه الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع ومقداره، لا مطلق الخطر الشّامل لتسلمه وعدمه، ضرورة حصوله في كلّ مبيع غايب، خصوصاً إذا كان في بحر ونحوه، بل هو أوضح شيء في بيع الثّمار والزّرع ونحوهما،…». جواهر الكلام / ج 22/ ص 388.
وردّ الشّيخ(قدّس سرّه) في مكاسبه قول الجواهر بما نصّه « أنّ الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله، فلا وجه لتقييد كلام أهل اللّغة خصوصاً بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين. واحتمال إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده، يدفعه ملاحظة اشتهار التّمثيل بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن التّسليم لا للجهالة بالصّفات». المكاسب / ج 4/ ص 178. والمراد بالمثالين في كلامه بيع السّمك في الماء والطّير في الهواء.
وعلى الثّاني شهيد القواعد(قدّس سرّه) كما مرّ بعض قوله: «وشرعاً هو جهل الحصول وأما المجهول المعلوم الحصول ومجهول الصّفة فليس غرراً» راجع القواعد والفوائد / ج 2 / ص 137.
ويمكن ردّه: بصحّة بيع مجهول الحصول مع كونه غررياً حسب دعواه كبيع السّلم والثّمار.
ولا يبعد كون المراد من الغرر الأعمّ من الجهل بأصل وجوده أم بحصوله في يد من أنتقل إليه أم بصفاته كمّاً أو كيفاً وما شرع من مجهول الحصول إنما خرج بالدّليل فدليل الغرر محكوم لأدلة الجواز ويؤيّد ذلك مضافاً لما أشكل على الجواهر ما عن ابن مسعود عن النّبي( صلّى الله عليه وآله وسلّم) «لا تشتروا السّمك في الماء فإنّه غرر». راجع مجمع الزّوائد/ كتاب البيوع / ج 4 / ص 97.
فيكون الغرر شاملاً لمجهوليّة التّسليم وعدمه.
وقد يقال: إنّ الدّليل الوارد في النّهي عن الغرر مضاف إلى البيع دون غيره من المعاملات والمرسلة المعروفة من نهي النّبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الغرر ” بدون لفظ ” البيع ” فيكون الغرر منهيّاً عنه مطلقاً وإن جبر سندها بعمل الأصحاب إلّا أنّه لم يثبت وجودها بدون لفظ ” البيع ” في كتب الرّوايات والأحاديث لا من طرق العامّة ولا الخاصّة وإن ذكر في الخلاف قال «دليلنا: ما روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه نهى عن الغرر». الخلاف/ ج 3 / ص 319. وفي القواعد« كما جاء في الخبر من نهيه عليه السّلام عن الغرر» القواعد والفوائد / ج 2 / ص 61. إلّا أنّه لا أصل له في الأصول فلا بطلان في المعاملات الغررية فيما سوى البيع لعدم الدّليل.
وفي قباله يقال: يمكن اثبات بطلان المعاملة الغررية فيما سوى البيع أيضاً مضافاً لاحتمال كون ذكر البيع إنّما هو لأجل كونه الغالب في باب المعاوضات بإلغاء خصوصيّة البيع في الأحاديث الواردة في الباب واستفادة المناط منها فيبطل كلّ ما فيه ذلك المناط من بيع وغيره ففي مروي الدّعائم عن علي أنّه صلى الله عليه وآله سئل عن بيع السّمك في الآجام، واللّبن في الضّروع، والصّوف على ظهر الغنم، قال:« هذا كلّه لا يجوز لأنّه مجهول غير معروف يقلّ ويكثر وهو غرر». دعائم الإسلام / ج 2 / ص 23.
فعلّل(عليه السّلام) عدم جواز بيع المذكورات في الرّواية بالجهالة وعدم العلم بالحال فالرّواية وإن كانت واردة في باب البيع لكنّ الظاهر عدم اختصاصها به للتّعليل الظّاهر فيها فكلّ ما فيه جهالة مضافة إلى احتمال الضّرر يشمله تعليل البطلان المذكور في الرّواية وللكلام تتمّة ونقاش سنديّ له محلّه والله العالم وبه تنال المكارم.