المادي و المجرد
الموجودات إما مادية وإما مجردة فما هو الفرق بين الموجود المادي و المجرد؟
يفرق بين المادي و المجرد بما حاصله أن الأول يمكن الإشارة إلى جهة وجوده كجسم زيد ودار عمرو دون الثاني كواجب الوجود، فلا جهة له حتى تصح الإشارة إليه لأنه لا يشغل حيزا من الفراغ وإلا كان موجودا ماديا وهو خلف الفرض.
كما أن الموجود المادي متغير و متبدل بالفعل امتدادا وحركة لاستعداده لذلك ووقوعه في سلسلة العلل المؤثرة ببعضها قهرا فينتقل من حال إلى حال بفعل ذلك التأثر، ولذا فإن الحركة ملازمة للموجود المادي ، فالحبة مثلا تتحول بفعل استعدادها للتغير وتأثرها بالعلل المحيطة إلى نبتة ، والنبتة إلى شجرة ، والشجرة تحمل ثمرا وهكذا ، فيكون الموجود المادي في حالة تغير وحركة دائمة غير منفكة عنه، بينما لا تجد هذه الحالة في الموجود المجرد على ما ذهب إليه جمهور الحكماء.
إذا فالمجرد حسب ما سبق لا يشار إليه ولا يعتريه التغير.
أقول: ولكن قد يقال: إن العقل وهو من المجردات وإن كان مسرحه إدراك الكليات فقط عند الحكماء لنفي التغير عنه بإدراك الجزئيات المتغيرة إلا أنه تغير عن حاله بعد إدراك نفس الكليات فالعقل بعد إدراك قضية عظمة الكل على جزئه غيره قبل ذلك الإدراك فهذا مجرد متغير بالعلم وقد قلتم إن المجرد لا يعتريه التغير.
وفي رده يمكن أن يقال: إن العقل مدرك لذلك ولكن لم يكن ذلك الإدراك ظاهرا بل مذهولا عنه وإنما ظهر بعد استذكار المذهولات ببركة الاحتكاك بجزئيات عالم الإمكان المدركة بالحس المشترك وهذا يناسب نظرية الاستذكار الإفلاطونية.
أو يقال: إنه لا عقل مضاف إلى تلك القضية قبل العلم بها أي يوجد العقل بوجودها فيما يخص جنبته المنسوبة إليها دون غيرها من جنب فالعلم بها موجد لموضوعه المتقوم به وهو العقل المضاف إليها فيوجد بوجودها هكذا من أول الأمر فلا تغير بعد الوجود وإنما وجود على هذا الشكل.
وفي الأول: مع إفلاته من إشكال التغير إلا أنه قول بلا دليل.
وفي الثاني ما يلي:
أولا: لزوم تعدد العقول بتعدد القضايا والمفروض أن العقل واحد.
وثانيا: توقف العلم بها على العقل و توقف وجوده عليها وهو دور واضح.
وبذلك يحصل رد الردين.