مشاركة في رضاع النّبيّ محمّد( صلّى اللّه عليه وآله) من السّيدة حليمة السّعديّة.
رضاع النّبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) من السّيدة حليمة السّعديّة متسالم لا نقاش فيه حتّى قصير فترة لاح فيها تشكيك أكارمٍ ؛ من دوافع تنزيهيّة تبان في القابل أثارت مدّاً وجزراً في المسألة فصيّرتها مسرح منع وقول هو الأقرب لكونه من الثّوابت التّاريخيّة المنقولة نقلاً غزيراً لا مكابرة في دعوى إفادته تواتراً لا يبعد أن يذعن به متتبّع شطر ممّا تترا به منقولات فريقي الملّة دون إشعار خلاف فيه و توطينه بنقل قليل – ليس كذلك على القارئ – منه ما نقله ابن إسحاق في السّير والمغازي: ( فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمه، والتمس له الرضعاء، واسترضع له حليمة ابنة أبي ذؤيب، وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام ابن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، واسم أبي رسول الله الذي أرضعه الحارث ابن عبد العزى بن رفاعة بن فلان بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر ابن هوازن.
وأخوته من الرضاعة: عبد الله بن الحارث، وأنيسة ابنة الحارث، وحذافة ابنة الحارث، وهي الشيماء، غلب عليها ذلك، ولا تعرف في قومها إلا به، وهي لحليمة أم رسول الله، وذكروا أن الشيماء كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذ كان عندهم. راجع سيرة ابن اسحاق = السّير والمغازي/ محمّد بن إسحاق المتوفّى 151 هـ / ص 48.
و ابن هشام – عن ابن إسحاق دون مناقشة مضمون مثل ما مضى – في سيرته : ( قال ابن إسحاق: فاسترضع له امرأة من بنى سعد بن بكر، يقال لها: حليمة، ابنة أبى ذؤيب. وأبو ذؤيب: عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة ابن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان. واسم أبيه الذي أرضعه صلى الله عليه وسلم: الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن قال ابن هشام: ويقال: هلال بن ناصرة. قال ابن إسحاق: وإخوته من الرضاعة: عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة بنت الحار.) انتهى. راجع السّيرة النّبويّة / ابن هشام الحميريّ المتوفّى 218 هـ / ج 1 / ص 104 – 105.
وفيها عنه أيضاً: (قال ابن إسحاق: وحدثني جهم بن أبي جهم مولى الحارث بن حاطب الجمحي عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أو عمن حدثه عنه، قال: كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته، تحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه، في نسوة من بنى سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء، قالت: وذلك في سنة شهباء، لم تبق لنا شيئا. قال: فخرجت على أتان لي قمراء، معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغديه – قال ابن هشام: ويقال يغذيه – ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك، فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبى الصبى، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده! فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن .يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أنى لم أجد غيره. قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا إنها لحافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة. قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك.) انتهى. راجع السّيرة النّبويّة / ابن هشام الحميري المتوفّى 218 هـ / ج 1 / ص 105 – 106.
وابن سعد في الطّبقات (قال أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي أخبرنا زكريا بن يحيى بن يزيد السعدي عن أبيه قال قدم مكة عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع فأصبن الرضاع كلهن الا حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر وكان معها زوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن ويكنى أبا ذؤيب وولدها منه عبد الله بن الحارث وكانت ترضعه وأنيسة بنت الحارث وجد أمة بنت الحارث وهي الشيماء وكانت هي التي تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمها وتوركه فعرض
عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت تقول يتيم ولا مال له وما عست أمه ان تفعل فخرج النسوة وخلفنها فقالت حليمة لزوجها ما ترى قد خرج صواحبي وليس بمكة غلام يسترضع الا هذا الغلام اليتيم فلو انا اخذناه فاني أكره ان نرجع إلى بلادنا ولم نأخذ شيئا فقال لها زوجها خذيه عسى الله ان يجعل لنا فيه خيرا فجاءت إلى أمه فأخذته منه فوضعته في حجرها فاقبل عليه ثدياها حتى يقطرا لبنا فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى روي وشرب اخوه.) انتهى. راجع الطّبقات الكبرى / محمّد بن سعد المتوفّى 230هـ / ج 1 / 110 – 111.
واليعقوبيّ في تاريخه: (وجاءت الشيماء بنت حليمة أخت رسول الله من الرضاعة إلى رسول الله فحباها وأكرمها وبسط لها رداءه، وكلمته في السبايا وقالت: إنما هن خالاتك وأخواتك. فقال: ما كان لي ولبني هاشم فقد وهبته لك. فوهب المسلمون ما كان في أيديهم من السبايا كما فعل إلا الأقرع ابن حابس وعيينة بن حصن).انتهى. راجع تاريخ اليعقوبيّ المتوفى 284- 298هـ / ج 2 / ص 63.
و الطّبري في تاريخه (حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به على هبل في جوف الكعبة فقام عنده يدعو الله ويشكر ما أعطاه ثم ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها والتمس له الرضعاء فاسترضع له امرأة من بنى سعد ابن بكر يقال لها حليمة ابنة أبى ذؤيب وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة ابن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر واسم الذي أرضعه الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن قصية بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر واسم اخوته من الرضاعة عبد الله بن الحارث وأنيسة ابنة الحارث وجذامة ابنة الحارث) انتهى. راجع تاريخ الطّبري / الطّبري المتوفى 310 هـ / ج 1 / ص 572.
و المسعوديّ في التّنبيه والأشراف – أو الإشراف – : (ودفع عليه الصلاة والسلام إلى حليمة بنت أبي ذؤيب، وهو عبد الله بن الحارث ابن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر ابن هوازن لترضعه فأرضعته بلبن بنيها عبد الله والشيماء وأنيسة بنى الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر والشيماء التي كان النبي صلى الله عليه وسلم عضها على كتفها، وهي تحمله في حال صباه، فلما هزمت هوازن بحنين، واحتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أموالهم وذراريهم سارت إليه الشيماء، فاستعطفته وذكرته وأرته أثر العضة فعرفها عليه الصلاة والسلام وكان ذلك أحد أسباب رد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر بنى هاشم وبنى عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ما صار إليهم من ذلك السبي، ورد أصحابه ما صار إليهم منه حين رأوا ذلك منه عليه الصلاة والسلام. وكان مقامه صلى الله عليه وسلم مسترضعا فيهم أربع سنين، فلما كان في السنة الخامسة ردته حليمة إلى أمه آمنة). انتهى. راجع التّنبيه والإشراف / المسعودي المتوفى 346هـ / ص 197.
والقاضي النّعمان المغربيّ في شرح الأخبار(وكان أبو سفيان هذا أخا لرسول الله صلى الله عليه وآله من الرضاعة أرضعتهما حليمة وكان يألف رسول الله صلى الله عليه وآله، وأسلم عام الفتح، وشهد حنين، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أرجو أن يكون أبو سفيان خلفا من عمه حمزة.) انتهى. شرح الأخبار – القاضي النّعمان المغربيّ المتوفى 363هـ / ج 3 / ص 218.
و الحسين بن سعيد الكوفيّ في زهده ( فضالة بن أيوب عن سيف بن عميرة عن ابن مسكان عن عمار بن حيان قال: اخبرني أبو عبد الله ببر ابنه إسماعيل له وقال: ولقد كنت أحبه وقد ازداد لي حبا ان رسول الله صلى الله عليه وآله اتته أخت له من الرضاعة فلما ان نظر إليها سربها وبسط ردائه لها فاجلسها عليه ثم اقبل يحدثها ويضحك في وجهها ثم قامت فذهبت ثم جاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها فقيل يا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل فقال: لأنها كانت أبر بأبيها منه) انتهى. راجع كتاب الزّهد / الحسين بن سعيد الكوفيّ من علماء القرن الثّالث/ ص 34.
والشّيخ المفيد في الاختصاص (قال: الله أدبني وأنا أفصح العرب ميد أني من قريش وربيت في حجر من هوازن بني سعد بن بكر، ونشأت سحابة فقالوا: هذه سحابة قد أظلتنا، فقال: كيف ترون قواعد ها؟ فقالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها، قال: وكيف ترون رحاها؟ فقالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها، قال: وكيف ترون البرق فيها وميضا “، أم خفوا “، أم بواسقها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد جاءكم الحيا ، فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما رأينا أفصح منك، قال: وما يمنعني وأنا أفصح العرب وأنزل الله القرآن بلغتي وهي أفضل اللغات بيد أني ربيت في بني سعد بن بكر.) انتهى. الاختصاص / الشّيخ المفيد المتوفّى 413هـ / ص 187.
وأبو الفتح الكراجكيّ في كنز الفوائد ( وشرف الله تعالى حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية برضاعه وخصها بتربيته وكانت ذات عقل وفضل فروت من آياته ما يبهر عقول السامعين وأغناها الله ببركته في الدنيا والدين وكان لا يرضع إلا من ثديها اليمين قال ابن عباس رضي الله عنه الهم العدل حتى في رضاعه لأنه علم أن له شريكا فناصفه عدلا منه صلى الله عليه وآله قالت حليمة فكان ثديي اليمين لرسول الله واليسار لولدي ضميرة وكان ولدي لا يشرب حتى يراه قد شرب) انتهى. راجع كنز الفوائد / أبو الفتح الكراجكيّ المتوفّى 449هـ / ص 72.
وأمين الإسلام الطّبرسيّ في إعلام الورى (وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة السعدية من بني سعد بن بكر بن هوازن) انتهى. إعلام الورى بأعلام الهدى / الشّيخ الطّبرسيّ المتوفّى 548هـ / ج 1 / ص 45.
وابن حمزة في الثّاقب: (عن ابن عباس، قال: قالت حليمة: انفلت مني رسول الله صلى الله عليه وآله، فغفلت عنه، فذهب إلى البهم مع أخته الشيماء قبل البهم على الماء، فخرجت أطلبه، حتى وجدته على الماء، فقلت: أفي هذا الحر؟! فقالت أخته: فما وجد أخي حرا “، رأيت غمامة تظلل عليه، إذا وقف وقفت وإذا سار سارت، حتى انتهى إلى هذا الموضع. فقالت أمها: أعوذ بالله من شرما أحذر على ابني.) انتهى. راجع الثّاقب في المناقب / ابن حمزة الطّوسي المتوفّى 560هـ / ص 90.
و قطب الدّين الرّاونديّ في قصص الأنبياء ( وأرضعته صلى الله عليه وآله وسلم حتى شب: حليمة بنت عبد الله السعدية) انتهى. قصص الأنبياء / الراوندي المتوفى 573هـ / ص 314. وفي الخرائج والجرائح (ثم توفي أبوه بالمدينة عند أخواله وهو ابن شهرين، ودفعه عبد المطلب إلى الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي، وهو زوج حليمة التي أرضعته، وهي بنت أبي ذؤيب الشاعر) راجع الخرائج والجرائح / قطب الدّين الرّاونديّ المتوفّى 573هـ / ج 1 / ص 21.
وابن شهر آشوب في المناقب : (ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحرث من مضر زوجة الحرث بن عبد العزى المضري ان البوادي اجذبت وحملنا الجهد على دخول البلد فدخلت مكة ونساء بنى سعد قد سبقن إلى مراضعهن فسألت مرضعا فدلوني على عبد المطلب وذكر ان له مولودا يحتاج إلى مرضع له فأتيت إليه فقال: يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه محمد فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور فشرب من ثديي الأيمن ساعة ولم يرغب في الأيسر أصلا واستعمل في رضاعه عدلا فناصف فيه شريكه واختار اليمين وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله)انتهى. مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب المتوفّى 588 هـ / ج ١ / ص 32.
وابن الأثير في الكامل (ثم أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثويبة حليمة بنت أبي ذؤيب واسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة من بني سعد بن بكر بنهوازن واسم زوجها الذي أرضعته بلبنه الحارث بن عبد العزى واسم إخوته من الرضاعة عبد الله وأنيسة وجذامة وهي الشيماء عرفت بذلك وكانت الشيماء تحضنه مع أمها حليمة. وقدمت حليمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن تزوج خديجة فأكرمها ووصلها وتوفيت قبل فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكة، فلما فتح مكة قدمت عليها أخت لها فسألها عنها فأخبرته بموتها فذرفت عيناه فسألها عمن خلفت فأخبرته فسألته نحلة وحاجة فوصلها.) انتهى. راجع الكامل في التّاريخ / ابن الأثير المتوفّى 630 هـ / ج 1 / ص 459.
وفيه أيضاً (وقال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: كانت حليمة السعدية تحدث أنها خرجت من بلدها مع نسوة يلتمسن الرضعاء وذلك في سنة شهباء لم تبق شيئا قالت فخرجت على أتان لنا قمراء معنا شارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلتنا أجمع من صبينا الذي معي من بكائه من الجوع وما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذوه ولكنا نرجو الغيث والفرج فلقد أدمت أتاني بالركب حتى شق عليهم ضعفا وعجفا حتى قدمنا مكة فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أنا إنما نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم فما عسى أن تصنع أمه وجده فما بقيت امرأة معي إلا أخذت رضيعا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي وكان معي إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال افعلي فعسى أن الله يجعل لنا فيه بركة قالت فذهبت فأخذته، فلما أخذته ووضعته في حجري أقبل عليه ثدياي ما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما وما كان ابني ينام قبل ذلك وقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا أنها حافل فحلب منها ثم شرب حتى روي ثم سقاني فشربت حتى شبعنا قالت ثم خرجنا يقول لي صاحبي تعلمين والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة قلت والله لأرجو ذلك.) انتهى. راجع الكامل في التّاريخ/ابن الأثير المتوفّى 630 هـ / ج 1 / 460 – 461.
وابن حاتم العامليّ في الدّر النّظيم ( أرضعته حليمة السعدية فلبثت فيهم خمس سنين وكانت أرضعت قبله حمزة وبعده أبا سلمة المخزومي) انتهى. الدّر النّظيم / ابن حاتم العامليّ المتوفّى 664هـ / ص 59.
وعلي بن يوسف الحليّ في العدد القويّة ( حليمة التي أرضعته، وهي بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث، وأخته أسماء وهي التي كانت ترضعه وسبيت يوم حنين.) راجع العدد القويّة / علي بن يوسف الحلي المتوفى حدود 710هـ / ص 119.
وابن كثير في البداية والنّهاية (رضاعه عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وما ظهر عليه من البركة وآيات النبوة قال محمد بن إسحاق: فاسترضع له عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر قال واسم أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرضعه – يعني زوج حليمة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن . وأخوته عليه الصلاة والسلام – يعني من الرضاعة – عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وحذافة بنت الحارث وهي الشيماء وذكروا أنها كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذا كان عندهم.) انتهى. راجع البداية والنّهاية / ابن كثير المتوفى 774هـ / ج 2 / ص 333.
والعلامة المجلسيّ في البحار ( وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة السعدية، من بني سعد بن بكر بن هوازن، وكانت ثويبة مولاة أبي لهب بن عبد المطلب أرضعته أيضا ” بلبن ابنها مسروح، وذلك قبل أن تقدم حليمة، وتوفيت ثويبة مسلمة سنة سبع من الهجرة، ومات ابنها قبلها، وكانت قد أرضعت ثويبة قبل حمزة بن عبد المطلب عمه، فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله لابنة حمزة: إنها ابنة أخي من الرضاعة،) انتهى. راجع بحار الأنوار / العلامة المجلسيّ المتوفّى 1110 هـ / ج 15 / ص 281. وغير ذلك الكثير فراجع.
ولا يقال: بالمنع لكفر السّيّدة حليمة وانعكاسه على حليبها تكوينا وتشريعا وقد ورد في المنقول (لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ اللّبن يعدي وإنّ الغلام ينزع إلى اللّبن – يعني إلى الظّئر – في الرّعونة والحمق). راجع وسائل الشّيعة (آل البيت) / الحرّ العامليّ / ج 21 / ص 467. و (توقّوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة فإنّ اللّبن يعدي). انتهى. راجع مكارم الأخلاق / الطبرسي / ج 1 / ص 223. وهو أوّلى في الكفر فارتضاعه (صلّى الله عليه و آله) منها ينافي اجتناب شرب ما يعدي و يؤثّر سلباً خلقاً وخلقاً في الشّارب مع كونهما فيه(صلّى اللّه عليه و آله) رأس.
لأنّه يقال: ذلك مردود بعدّة – أشار إليها بعض الأفاضل في الجملة – أحدها: من غير المحرز ديانتها بغير الحنيفيّة فلعلّها ممّن تعبد بها كما هو حال عموم آباء النّبيّ(صلّى الله عليه و آله) وكثير من أقربائهم وآخرين من العرب.
و ثانيها: أنّه لو سلم أنّها لم تكن على الحنيفيّة فلا ينفك حالها عن حال النّاس آن ذاك فهم منقسمون بين عالم بالحقّ جاحد به ومستضعف قاصر عن بلوغ الحقّ معذور في ذلك ولا يبعد أنّها إن لم تكن موحّدة فهي من المستضعفين كحال العامّة حينها إذ لم يرد في حقّها ما ينافي ذلك.
وثالثها: عدم التّأثير به (صلّى اللّه عليه وآله ) – حتّى مع فرض كفرها أو استضعافها تنزّلاً – لقيام قانون التّأثير على قوّة المؤثّر و ضعف المتأثّر وهو ممّا لا يتصوّر بحقّ أكمل التّجلّيات الإلهيّة بل العكس واقع وهو منقول فقد أثّر النّبيّ (صلّى الله عليه و آله) فيها تأثيرا مباشرا فثديها الّذي لم يكن يكفي لطفل واحد صار يشبع طفلين بل أثّر في كلّ ما أحاط به حينها كما يظهر من قصّة الإتان والنّاقة من قوّة سير بعد ضعف وغزارة نتاج بعد شحّ وقد بان لك بعض ذلك فيما ذكرنا من منقول ابن هشام عن ابن اسحاق في السّيرة وإن أردت التّمام فراجع.
فإن قلت: يفترض معه عدم التّأثر في الإيجاب أيضاً لوحدة الملاك في الفرضين فكما لا تأثّر في السّلب لا تأثّر في الإيجاب من تحقّق الأقوائيّة فيهما مع أنّ الأحكام العقليّة لا تخصّص.
قلت: يمكن التّفصّي عنه بأنّ ما يحصل من تغيّر إنّما يحصل مع المؤثر فرضاً لا به فنمو النّبيّ(صلّى اللّه عليه وآله) مع الغذاء الجيّد لم يحصل به بل معه وكذا الحال في السّلبيات فشج ساقه لم يحصل بالحجر بل معها إذ لا يمكن أن يكون المؤثّر متأثّراً مع وحدة النّسبة وليس في ذلك ضرب لمبدأ العلّيّة بل جري عليه فهو علّة وما سواه دون الحقّ معلول وما يعتريه من تغيير مستند للحقّ تعالى دون غيره من خلقه.
ولا يقال – لإثبات المنع – بقوله تعالى: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ).صدق الله العليّ العظيم. القصص / آية 12. فلم يقبل موسى (عليه السّلام) التقام ثدي غير أمّه تكويناً وتقريب المراد إمّا بتحريم ذلك على الأنبياء أو بكون ذلك من التّنزيه عن مخالجة ما من لا إيمان له مع كونه(عليه السّلام) دون نبيّنا (صلّى الله عليه و آله) رتبة .
لأنّه يقال: إنّ أوّل تقريبيه قول بلا دليل فالثّبوت لموسى(عليه السّلام) لا يلازم الثّبوت لغيره من الأنبياء (عليهم السّلام) إذ (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). صدق الله العليّ العظيم. المائدة / آية 48. مع كون ظاهرها قصره عليه. وأمّا ثانيهما فردّه بما مرّ من دفع مستندهم الأوّل مضافاً إلى أنّ ما كان من تحريم ليس إلّا تدبيراً لردّه (عليه السّلام) إلى إمّه (فَرَدَدْنَاهُ إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ).صدق الله العليّ العظيم. القصص / آية 13. رحمة بأمه و تبديدًا لخوفها عليه من القتل (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ).صدق الله العي العظيم. القصص آية 10. فقضي بذلك (أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) صدق الله العليّ العظيم. الأنفال / آية 44.
وما يقال: من انتفاء حكمة إرساله (صلّى اللّه عليه وآله) إلى البوادي وما يتصوّر من وجوهها حاضر في هاشم وكنف عبد المطلّب(عليه السّلام) و زيادة فهم من العرب أطلقها لسانا وأمضاها سنانا وأنداها بنانا فبقاؤه في أهله أولى ومن ثمّ – قال لي بعض الأفاضل – لم ينقل التّاريخ اسم مرتضع هاشمي في عصره (صلّى الله عليه وآله).
مناقش: بأنّ المذكور في هاشم وإن كان صحيحاً إلّا أنّه قد لا تعدم حكمة في ذلك كنقاء البوادي المؤثّر في تكوين الطّفل إيجاباً حسب اعتقادهم ودفع الأذية عنه وإن كان في أهله منعة بإبعاده عن المتربصين بنبيّ آخر الزّمان(صلى الله عليه وآله) المرتقب إذ كانوا على علم بعلامات حتميّة تحدّد المولد والمولود وقد راموا قتله في بطن أمّه كما ورد في قصة زرقاء اليمامة وتكنا – وقد نقل العلّامة المجلسيّ (رحمه اللّه) الحادثة في حديث طويل من أراده طلب البحار. راجع بحار الأنوار/ ج 15 / ص320 / 323 – وما زال أمثالها متربصين به فإرساله (صلّى الله عليه وآله) مع أناس يطلبون القطر في البوادي من مكان لآخر يجعل ظفرهم به أصعب وكذا في البعد عن المدن المكتظة وقاية من الأمراض وقد كانت العرب تؤمن بالعدوى واحتمالها في المدن كثيرة القوافل يزيد عن البوادي لا سيّما في مثل مكّة الّتي يقصدها حجيج الكعبة كل عام وكون الارتضاع عادة منتشرة عند العرب حينها مع قطع النّظر عن مناشئها ومنه اشتهرت نساء قبائل كهوازن بامتهان ذلك ومنهم السّيدة آمنة فأرسل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله ) جرياً على المعتاد ومنه عالج الإسلام هذه المسألة بأحكام مفصّلة بعد إقرارها بقوله تعالى (وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) صدق الله العليّ العظيم . البقرة / آية 233. وما قيل من عدم استرضع أحد من الهاشمين في عصره (صلى الله عليه وآله) وإن كان لا يثبت مراد إذ لا ملازمة بينه والمنع ومردود ثبوتاً بأنّ عدم الوجدان لا يلازم عدم الوجود وإثباتاً بأنّ آدم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد الطلب ابن هاشم معاصر النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وقد استرضع في هذيل وقتل فيهم في الجاهلية و هو من اسقط النّبيّ(صلّى الله عليه وآله) دمه يوم الفتح ففي الطّبقات: (وآدم بْن ربيعة وهو المسترضع له فِي هذيل فقتله بنو ليث بْن بَكْر فِي حرب كَانَتْ بينهم. وكان الصبي يحبو أمام البيوت فرموه بحجر فأصابه فرضخ رأسه. وهو الَّذِي يقول له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم الفتح: ألا إن كل دم كان فِي الجاهلية فهو تحت قدمي. وأول دم أضعه دم ابن ربيعة بْن الْحَارِث بْن عَبْد المطلب. راجع الطبقات الكبرى / ابن سعد المتوفى 230هـ / ج 4 / ص 35. وقد ورد أنّ النّبيّ(صلّى الله عليه و آله) استرضع إبراهيم في عوالي المدينة (ما رأيت أحدا أرحم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنّه ليدّخن وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله ثمّ يرجع . قال عمرو فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إبراهيم ابني وإنه مات في ثدي وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة. راجع مسلم/ ج 4/ ص 1808/ الحديث رقم 2316.
وكيف ما كان فإنّ تشكيكات مناقشة بما مرّ ليس لها مدافعة ما أخبر به الكافي عن إمامنا الصّادق(عليه السّلام) :محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن إسماعيل بن مهران، جميعا، عن سيف بن عميرة، عن عبد الله بن مسكان، عن عمار بن حيان قال: خبرت أبا عبد الله (عليه السلام) ببر إسماعيل ابني بي، فقال: لقد كنت أحبه وقد ازددت له حبا، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتته أخت له من الرضاعة فلما نظر إليها سر بها وبسط ملحفته لها فأجلسها عليه ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها، ثم قامت وذهبت وجاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل؟! فقال: لأنها كانت أبر بوالديها منه. الكافي – الشيخ الكليني – ج ٢ – الصفحة ١٦١.
قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في المرآة : ( وأخته وأخوه صلى الله عليه و آله وسلم من الرضاعة هما ولدا حليمة السعدية ، وفي إعلام الورى كان له صلى الله عليه و آله وسلم أخوان من الرضاعة عبد الله وأنيسة ابنا الحارث بن عبد العزى.) انتهى. راجع مرآة العقول / العلّامة المجلسيّ المتوفّى 1110هـ / ج 8 / ص 426. فإن قلت بالجهالة كما عليه صاحب المرآة قلنا خلافه بالاعتبار – وفق بحث سنديّ له محلّه – كما عليه بعض الأفاضل وعلى فرضه هي مع سالف المذكور من المنقول تفيد تواتراً معنويّاً يجعل البحث السّنديّ لغويّاً ودمتم في رعاية اللّه.