سؤال وجواب
مشاركة في الإجابة عن استفسار حاصله ملاحظة تنافٍ بين قوله تعالى: (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ) و مروي زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريّته من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا ومن همّ بسيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه [سيئة] ومن همّ بها وعملها كتبت عليه سيئة. انتهى. فمخفيّ النّفس محاسب عليه وفق الآية و الحديث ينفي ذلك.
الجواب: بسمه تعالى ظاهر (وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ). البقرة : آية 284. مضافاً إلى المحاسبة على ظواهر الأعمال الأخذ بالنّوايا وما أكنّت القلوب وأخفت السّرائر و في سياقها: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا). الإسراء : آية 36.
إلّا أنّه – أعني الظّهور المذكور – منصرف عن نيّة السّوء والهمِّ بالمعصية دون فعلها بما استفاض من المنقول منه ما روى ثقة الإسلام (رضوان الله تعالى عليه) في باب (من يهمّ بالحسنة أو السّيّئة) بسنده عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إنّ الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريّته من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا ومن همّ بسيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه [سيّئة] ومن همّ بها وعملها كتبت عليه سيّئة. انتهى. الكافي – الشيخ الكليني – ج ٢ – الصفحة ٤٢٨.
و بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إنّ المؤمن ليهمّ بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة وإن هو عملها كتبت له عشر حسنات وإنّ المؤمن ليهمّ بالسّيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه. انتهى. الكافي – الشيخ الكليني – ج ٢ – الصفحة ٤٢٩.
و بسنده عن فضل بن عثمان المرادي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أربع من كنّ فيه لم يهلك على الله بعدهنّ إلّا هالك يهمّ العبد بالحسنة فيعملها فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيّته وإن هو عملها كتب الله له عشرا، ويهمّ بالسّيّئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء … الحديث. الكافي – الشيخ الكليني – ج ٢ – الصفحة ٤٣٠.
وروى أيضاً (فيما اعطى الله عزّ وجلّ آدم عليه السّلام وقت التّوبة) بسنده عن ابن بكير، عن أبي عبد الله أو عن أبي جعفر (عليهما السّلام) قال: إنّ آدم (عليه السّلام) قال: يا ربّ سلّطت عليّ الشّيطان وأجريته منّي مجرى الدّم فاجعل لي شيئا، فقال: يا آدم جعلت لك أنّ من همّ من ذريتك بسّيّئة لم تكتب عليه … الحديث. و عن الحسين بن سعيد في (الزّهد) بسنده عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إذا همّ العبد بالسّيئة لم تكتب عليه، وإذا همّ بحسنة كتبت له. انتهى. وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج ١ – الصفحة ٥٢.
وفي مروي المخالفين ما يوافقه منها عنه (صلّى الله عليه وآله): إنّ الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلّموا أو يعملوا به . انتهى. مسلم – باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر – ح 201. وعنه (صلّى الله عليه وآله) : إنّ الله عزّ وجلّ تجاوز لأمّتي عمّا حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلّم. انتهى. مسلم – باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر- ح 202. وعنه (صلّى الله عليه وآله): قال الله عزّ وجلّ : إذا همّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإذا همّ بسّيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه فإن عملها كتبتها سيّئة واحدة. انتهى. مسلم – باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب – ح 204. وعنه (صلّى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة مالم يعمل فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها. انتهى. مسلم – باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب – ح 205. وعنه (صلّى الله عليه وآله): قال الله عزّ وجلّ : إذا همّ عبدي بسيّئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة وإذا همّ بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشراً. انتهى. مسلم – باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب – ح 203.
بل فيه أيضاً رواية كتابة الهمّ بالمعصية حسنة عند عدمها ففي مسلم عنه (صلّى الله عليه وآله): قالت الملائكة ربِّ ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة – وهو أبصر به – فقال : ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنّما تركها من جرّاي. انتهى. مسلم – باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب – ح 205.
والحاصل: انّ سمة ما ذكر من مرويّ بالنّسبة إلى عموم الآية الإطلاقيّ سمة التّخصيص والإخراج الحكميّ فما يظهر من تنافٍ بين الآية والرّواية ليس من التّعارض القار بل الصّوريّ غير القار فعموم الآية الظّهوري في مورد قصد المعصية دون فعلها يقابله خصوص الرّواية النّصي فيه والنّص كما تعلمون مقدّم على الظّاهر أو يكون النّص قرينة على عدم دخول مورده في عموم العام من الأصل.
وبالمناسبة لا يخفى انّ لسان عدم الكتابة في الرّواية لا يتناول المحرّمات قلبيّة الفعل والّتي قد لا تنفكّ عن انعكاس لابدّيّ على الجوارح كالكفر والشّرك قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة). البيّنة : آية 6. والكبر: (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ). النحل: آية 29. ومحبّة شياع الفاحشة: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). النّور : آية 19. والمحبّة من القلبيات كما لا يخفى فلا يتوهم تعارض الرّواية مع أدلة تحريم تلك القلبيات فالرّواية ناظرة إلى القصد والهمّ بالمعصية دون الفعل والحال أنّ مثل هذه الدّمائم المذكورة فعلت قلبيّاً بانعقاد القلب عليها فإنّ قوامها القلب كما هو واضح ومنه ظهر أنّ الرّواية لم تقصر ظهور آية المحاسبة عن شمول مثل الكفر والشّرك والكبر وغيره من دمائم قلبيّة محرّمة سواء انكشف تحققها بالأثر الظّاهر أم لا.
ثمّ إنّه لا يبعد عدم شمول آية المحاسبة للتّصورات الإلقائيّة من الوساوس و منفوثات الرّوع الشيّطانيّة فهي ممّا يتوارد بلا استدعاء إرادي من المكلف ؛ من كون مظّان المحاسبة في الآية موارد الكلفة الفعليّة وفي مثلها لا كلفة لانتفاء شرطها فالحال من قبيل السّالبة بانتفاء الموضوع وفي أحاديث الرفع ما ينبّه إليه فراجع. هذا والله العالم.