فلسفة

العقل

العقل قوة مركوزة في الناطق بها يميز الحقانيات عن سواها وهذا المميز به يتميز الناطق عن غيره من المُدرِكات فالحيوان على الإطلاق مدرك قطعا وإلا لانعدم سلوكه المستند إلى تجاربه الحسية فدون إدراك لتلك التجارب لا سلوك منعكس عنها لانتفاء العلم السالب للسلوكيات المبتنية على علمه التجريبي والانعكاس حاصل وجدانا فالإدراك حاصل كذلك وهذا مرجعه إلى قياس إستثنائي حاصله لو لم يكن الحيوان مدركا لما انعكست تجاربه على سلوكه وانعكاس التجارب على سلوكه حاصل قطعا فهو مدرك قطعا.

وعلى ذلك كيف يدعى أن العقل به تميز الناطق عن الأغيار من الحيوانات والحال أنها مشتركة معه في الإدراك.

وفي جواب ذلك يقال: قال الفلاسفة بما يحصل به الجواب فالعقل لا يدرك إلا الكليات أي القضايا الكلية المجردة عن الزمان والمكان وبتعبير آخر مقطوعات الحقانية التي لا يتخلف محمولها عن موضوعها أبدا حتى في غير هذه النشأة كعالم البرزخ ودار الحيوان أعني الآخرة(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)  كمحالية اجتماع النقيضين وكون الكل أكبر من جزئه وغير ذلك من الأوليات التي يدركها العقل النظري وبذلك امتاز الناطق عن باقي الحيوانات إذ ليس لها إدراك للكليات.

فإن قلتَ لهم: ولكنا بالوجدان نقطع بجزئية القسم الأكبر مما ندركه فكيف كان هذا الإدراك للجزئيات والعقل حسب دعواكم أيها الفلاسفة لا يدرك إلا الكليات ألسنا ندرك بالعقل.

 قالوا: إن ما يدرك الجزئيات الحس المشترك وهو قوة مغايرة للعقل المدعى نعم من طريق تلك القوة يجرد العقل الكليات.

والحس المشترك بتعبير الجرجاني (هو القوة التي ترتسم فيها صور الجزئيات المحسوسة، فالحواس الخمسة الظاهرة، كالجواسيس لها).

وعلى ذلك فالمنتقشات الجزئية في الذهن الواردة من الباصرة مثلا كصورة زيد ودار بكر إدراكها الإنتقاشي متقوم في ظرف الحس المشترك ولا مسرح للعقل في ذلك.

وحاصل كلامهم إذا أن العقل يدرك الكليات وبذلك تميز الناطق عن الحيوانات لكونها لا تدرك الكليات وما يدركه الناطق من الجزئيات مع كون عقله لا يدرك إلا الكليات إنما كان ببركة الحس المشترك ولا مدخل للعقل في ذلك.

ولكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه ما هو السبب الذي دفع الفلاسفة لإخراج الجزئيات عن مسرح الإدراك العقلي وقصرهم إدراكه في حدود الكليات؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في مشاركات قابلة.

أسد الله بن حسين الرجا

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى